بعد مرور ستين عاماً ونيّف على بدء العداوة بين النظام الشيوعي في بيونغ يانغ وحامية الرأسمالية واشنطن، تبقى كوريا الشمالية في عيون الولايات المتحدة العائق أمام انطلاق الديموقراطية، على الطريقة الأميركية
حبيب إلياس
تضع الولايات المتحدة البرنامج النووي الكوري الشمالي في مقدمة التهديدات التي تمثّلها بيونغ يانغ لمصالحها في شرق آسيا. برنامج أصبح ورقة المساومة الأخيرة في يد النظام الشيوعي الذي لا يزال صامداً رغم كل العقوبات التي فرضتها عليه واشنطن ومجلس الأمن.
وبدأت بيونغ يانغ البحث النووي في نهاية خمسينات القرن الماضي تقريباً، بعد انتهاء الحرب الكورية. وفي منتصف الستينات، بدأ العمل على إنشاء مفاعل يونغ بيون، بمساعدة الاتحاد السوفياتي، وبدأ تشغيله عام 1987. لكن القضية النووية الكورية لم تتفاعل إلا في بداية تسعينات القرن الماضي، أي مع انهيار الاتحاد السوفياتي.
ومع غياب الحليف الذي يدعم كوريا الشمالية التي كانت تشهد آنذاك فترة انتقال للسلطة داخل النظام بموت الزعيم كيم ايل سونغ، كان لا بد لبيونغ يانغ أن تؤمن المرحلة الانتقالية بسلاسة حتى يتمكّن ابنه كيم جونغ إيل من تثبيت زعامته، فكان أن وقّعت مع واشنطن اتفاقاً في تشرين الأول من عام 1994 لوقف المنشأة النووية في مقابل مفاعلين للماء الخفيف مقاومين للانتشار نسبياً. الاتفاق صمد جزئيّاً، ولا سيما مع انشغال كوريا الشمالية بالمجاعة التي اجتاحتها ما بين الأعوام 1994 و 1998، والتي أودت بحياة 2 إلى 3 ملايين شخص.
هذه المجاعة أجبرت كوريا الشمالية على الرضوخ للضغوط، فأصدر الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ ايل عام 1999 أمراً بالتوقف عن التجارب النووية، وهو ما ردت عليه واشنطن بالتخفيف من العقوبات. تطوّر مهد لزيارة وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت بيونغ يانغ ولقائها كيم عام 2000.
ولكن مع تسلّم إدارة جورج بوش، وعقب أحداث 11 أيلول عام 2001، عادت الولايات المتحدة لتضغط على بيونغ يانغ، التي وضعها بوش عام 2002 في «محور الشر»، وهو ما عدّته كوريا بمثابة إعلان حرب، وردّت عليه في 12 أيلول 2002 بإعلان إعادة تشغيل مفاعل يونغ بيون.
منذ ذلك التاريخ، بدأت لعبة التفاوض بين الطرفين، التي أدّت بكين فيها دوراً نشطاً بعدما نجحت في جمع مسؤولين من الصين والكوريتين والولايات المتحدة واليابان وروسيا إلى طاولة التفاوض، أو ما بات يعرف بـ «السداسيّة»، التي انطلقت جولتها الأولى في آب 2003.
جولات تفاوضيّة استمرت سنتين، أثمرت إعلان 19 أيلول 2005 المشترك، الذي جرى التأكيد خلاله على نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية سلمياً، اعتماداً على مبدأ «تعهد مقابل تعهد» و«عمل مقابل عمل». الا أنّ عام 2006 شهد تصعيداً جديداً من الطرف الكوري الشمالي، ففي تموز أجرت بيونغ يانغ تجارب فاشلة لإطلاق سبعة صواريخ بعيدة المدى من طراز «تايبودونغ ــ 2» يمكن أن تصل إلى ألاسكا والساحل الغربي للولايات المتحدة. عقب تلك

بيونغ يانغ تناور للجلوس مع واشنطن إلى طاولة حوار مباشر

التجربة، فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات على كوريا الشمالية، التي ردّت بإجراء تجربة نووية لتعزيز قدرتها على «الدفاع عن النفس». تجربة أنتجت عقوبات دولية مشدّدة، ليبدأ مسلسل جديد من الضغوط الدولية التي أثمرت اتفاق 13 شباط 2007، وبموجبه كانت كوريا الشمالية ستغلق مفاعل يونغ بيون النووي، وتدعو أفراد الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمراقبة أعمالها والتأكد منها. استمرت الأمور على هدوئها النسبي حتى أوائل عام 2009. ومع بدء عهد إدارة أوباما، عادت بيونغ يانغ إلى جس نبض واشنطن، فأطلقت في 5 نيسان صاروخاً بعيد المدى يفترض أن يُقلّ قمراً اصطناعياً للاتصالات. ولم تكتفِ بذلك بل أجرت في 25 أيار تجربة نووية هي الثانية منذ 2006.
تجربة أطلقت موجة جديدة من التصعيد، التي وصلت إلى حدّ التهديد بحرب في شبه الجزيرة الكورية. إلا أن زيارة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون إلى بيونغ يانغ في آب الماضي، وعودته مع صحافيتين اعتقلتا عقب محاولتهما الدخول أراضي كوريا الشمالية، فتحت الباب مجدداً أمام الحوار، الذي تريده بيونغ يانغ مباشراً مع واشنطن.
طلب رفضته واشنطن بدايةً، إلا أنها عادت وقبلت بعد إعلان بيونغ يانغ استخراج البلوتونيوم من قضبان الوقود المستنفد في منشآتها النووية الرئيسة في يونغ بيون وتحويلها إلى أسلحة. وفي وقت يعدّ فيه هذا الإعلان مجرد تكتيك لطلب المفاوضات، فإنّ بعض الخبراء يرون أنه قد يكون إشارة إلى أن حملة الاستمالة وصلت إلى نهايتها، إلّا إذا أدّت إلى رد إيجابي من جانب الأميركيين وحلفائهم.