حسن شقرانيتسير بلدان مجموعة العشرين (G20) على خطّ رفيع لصياغة سياسات التعافي الاقتصادي العالمي. فالدور المهمّ الذي تؤدّيه بصفتها وريثة لمجموعة الدول السبع بعد اندلاع الأزمة الماليّة في خريف 2008، حتّم عليها اتخاذ تدابير قصوى. هذه التدابير قد تبدأ بإطلاق المفاعيل المعاكسة، ولذلك لا بدّ من صياغة حذرة لـ«الخطوات المقبلة» التي تُدرس في قمّة بيتسبورغ اليوم، في ظلّ هيمنة عناوين مثل «استراتيجيّات الخروج» و«فقدان التوازن الدولي» و«حروب العملات» و«الحمائية».

ً■ عام على التحفيز

بعد عام من اشتعال الشرارة المباشرة للأزمة الماليّة العالميّة بـ«انهيار» الأسواق، تبدو الخريطة الاقتصاديّة والماليّة وحتّى السياسيّة عالمياً مختلفة. الاختلاف جذري؟ طبعاً لا، لأنّ النظام لا يزال على حاله لكنّه خاضع لبعض التعديلات، التي نبعت ضرورتها من صعوبة الأيّام السوداء التي مرّت بها العولمة منذ 15 أيلول 2008 (بل منذ آب عام 2007 حين بدأت تتكشّف أزمة الرهون العقاريّة). فالأزمة الماليّة عُدّت الأسوأ منذ عقود، وتداعياتها الاقتصاديّة ذكرّت الشعوب بالكساد العظيم.
وسارعت دول العالم إلى احتواء انفلاج الأزمة دراماتيكيّاً. واجتمعت مجموعة الدول العشرين في واشنطن بدايةً ثمّ في لندن. القمّة الثانية أطلقت عنان «تدابير الإنعاش». وكان من شأن تلك التدابير الكونيّة، التي سبقتها إجراءات تحفزيّة على الأصعدة الوطنيّة، أن تحتوي ضغوط الركود.
واتضح أنّ تلك الإجراءات أدّت وظيفتها، وآخر الشهادات على ذلك كان تصريح مدير صندوق النقد الدولي دومينيك شتراوس، الذي قال أمس إن «الظروف الماليّة تحسّنت، ويبدو أنّ محرّك النموّ بدأ يدور مجدّداً... ومنذ فترة ليست بعيدة كان الاقتصاد العالمي على شفير الهاوية».
البورصات كسبت منذ بداية العام الجاري حوالى 27 في المئة من قيمتها مقارنة بنهاية عام 2008 الذي سجّلت فيه خسارة بلغت، بحسب التقديرات المحافظة، 30 مليار دولار. كما أنّ توقّعات نموّ الناتج المحلّي الكوني بدأت تتحسّن، وحان الوقت لبحث استراتيجيّات الخروج من «الوضع الطارئ»، وبلورة أساليب مواجهة الضغوط التضخميّة التي قد تنشأ من استمرار سياسات التوسّع المالي والنقدي.

التزام مرتقب

البحث يبدأ في المدينة الأميركيّة اليوم بعدما كان الزعماء قد التزموا الحفاظ على التدابير الماليّة والنقديّة المناسبة لمواجهة الأزمة «بقدر ما يتطلّبه الأمر». وفيما بدأت مظاهر الانتعاش أخيراً، بدأت تنحسر إجراءات التحفيز الطارئ، وتمثّل الصين مثالاً على ذلك.
في نهاية المباحثات، يُرجّح أن يكرّر الزعماء العشرون التزامهم بإتمام جولة الدوحة من محادثات منظّمة التجارة العالميّة؛ ففيما الجولة معرقلة منذ عام 2001، تبرز المخاوف من الحمائيّة، حيث تلجأ البلدان إلى حماية صناعاتها الوطنيّة عبر فرض «حظر» على أسواقها، مثلما فعلت الولايات المتّحدة في قضيّة الإطارات الصينيّة أخيراً. وهي أساساً كانت قد ضمّنت خطّة التحفيز الاقتصادي خاصّتها التي تبلغ قيمتها 790 مليار دولار بنداً خاصاً بـ«تشجيع شراء المنتجات الأميركيّة».
وهذه الخلافات لن تجد مخرجاً يحلّها على الأرجح في هذه المحادثات نظراً لطبيعتها الهيكليّة، وستمثّل مادّة دسمة للمحادثات التجاريّة الثنائيّة حتّى العام المقبل «موعد إنعاش» محادثات التجارة الحرّة.

التزام أميركي بتعديل أنظمة الرقابة والصين تعفو مرحلياً عن الدولار
من جهة أخرى، ستحمل الولايات المتّحدة إلى القمّة سلّة مطالب، يقابلها «طرح أوروبي هجين!»، متعلّقة بتعديل نظام الرقابة في المراكز الماليّة العالميّة مثلما تحدّث الرئيس باراك أوباما أمس. غير أنّ قضيّتها الأساسيّة تتمثّل بـ«فقدان التوازن» التجاري والنقدي العالمي، وتحديداً بينها وبين الصين. فرغم انحسار التباين التجاري بين البلد الشيوعي وأكبر اقتصاد في العالم، مع تقلّص العجز التجاري الأميركي لمصلحة العملاق الشرقي إلى 98 مليار دولار في الربع الثاني من العام الجاري، لا تزال الأمور معقّدة.
ووفقاً لمعظم المراقبين ستُدفع هذه القضيّة إلى الأمام نظراً لتشعّباتها وارتباطها بالتوازن القائم بين البلدين: الطبيعة الاستهلاكيّة للاقتصاد الأميركي، والنمط الإنتاجي الادخاري في الاقتصاد الصيني.
ومن القضايا الخلافيّة الأخرى بين أقطاب النظام القائم، «لعبة العملات ودور الدولار». ولكن من غير المتوقّع أن يتطرّق أيّ من البلدان الناشئة الرافضة لهيمنة الدولار، وتحديداً الصين وروسيا والهند والبرازيل، إلى ضرورة اعتماد عمليّة كونيّة بديلة عن الدولار. والدليل على ذلك هو أنّ البلد الشيوعي مثلاً استمرّ في شراء السندات الحكوميّة الأميركيّة التي تصدّر لتمويل خطط التحفيز.
إذاً فالقمّة ستتّسم بكياسة ملحوظة سيجري خلالها تثمين إجراءات مواجهة الأزمة، وستؤجّل القضايا الأساسيّة المتعلّقة بـ«الاقتصاد الأخضر» و«طبيعة النظام غير المستقرّة»...