مشروع «استعماري عملاق» لنشر ألواح لاقطة لإنتاج طاقة كهروضوئيةباريس ــ بسّام الطيارة
يعرف متابعو ملف «الاتحاد من أجل المتوسط»، أن العدوان الإسرائيلي على غزة في كانون الأول والثاني الماضيين، «أفقد الاتحاد ديناميته»، وبأنه بات في سبيله للحاق بمبادرات مماثلة أخذت تسميات متنوعة، أشهرها «مبادرة برشلونة». إلّا أنّ وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، رغم اعترافه غير المباشر بـ«نهاية الشق السياسي من المشروع»، رأى في مؤتمر صحافي أن «العمل على بعض المشاريع يتقدم»، مشيراً إلى عدد من الاجتماعات التقنية التي تنعقد «من دون ضجة»، وإلى «احتمال» لقاء وزراء خارجية الاتحاد في نهاية أيلول المقبل.
وعلمت «الأخبار» أنه جرى تنظيم «احتفال متواضع» في ألمانيا أخيراً في «إطار نشاط مستقبلي للاتحاد» بخصوص مشروع طاقة «ضخم جداً» أطلقته مؤسسة «ديزيرتيك» الألمانية (صندوق استثمار تكنولوجي خاص)، لم يتردّد أحد الخبراء عن وصفه بـ«الفرعوني».
وبحسب معلومات المؤسسة الألمانية المتخصصة بشؤون طاقات المستقبل، فإن المشروع الذي سوف تصل تكلفته في نهاية عام ٢٠٥٠ إلى ٤٠٠ مليار يورو، يعتمد على «زرع» مساحات شاسعة من مناطق بلاد

مشروع «ديزيرتيك» ألماني، وخرائطه قديمة، وقّعت عليه 15 شركة وإنتاجه من الطاقة هائل

جنوب البحر الأبيض المتوسط بـ«لاقطات لأشعة الشمس» تحوّل الأشعة الشمسية إلى طاقة كهروضوئية، ومن ثم إلى طاقة كهربائية يتم شحنها إلى أوروبا في شمال البحر الأبيض لتغطية ١٥ في المئة من استهلاك الاتحاد الأوروبي.
وشدّد أحد العاملين في المؤسسة الألمانية على أن «هدف المشروع هو أولاً تأمين احتياجات الدول المصدرة» قبل البدء بـ«سحب» الفائض نحو أسواق الدول الأوروبية. غير أنّ المصدر نفسه اعترف بأن الانطلاق بتنفيذ المشروع، ينتظر «ضوءاً أخضر سياسياً»، في إشارة إلى النزاعات التي تشكل عقبات أمام إنجاز الشبكة المعتزم إقامتها حول البحر الأبيض المتوسط وعبره.
ووفق الخرائط الأولية للمشروع، التي اطّلعت «الأخبار» عليها، فإن الحد الأقصى الجنوبي للشبكة هو خط يمر عبر جنوب الصحراء الكبرى ويخترق وسط السودان في محيط منطقة دارفور بعد مروره في وسط التشاد وعبر البحر الأحمر في جيبوتي نحو اليمن، ثم يوازي الحدود اليمنية ـــــ السعودية جنوب الصحراء العربية حتى يصل إلى شرق حضرموت.
أمّا الخط الشرقي، فينطلق شمالاً ويعبر مختلف المناطق الصحراوية ليلتقي بخط يأتي من شمال البصرة حتى شرق هضبة الأناضول، فيلتف حول شرق البحر الأبيض المتوسط في تركيا ليبدأ بتغذية بلغاريا واليونان قبل أن يتواصل مع الشبكة الكهربائية الأوروبية التي تغذي معظم دول الاتحاد الأوروبي، وصولاً إلى شمال بريطانيا وإيسلندا.
أما غرباً، فإن الخط يحاذي الساحل المغربي والموريتاني، قبل أن يغوص في الصحراء الكبرى.
ويقول أحد الخبراء، الذين شاركوا في التحضير للمشروع المعتمِد على «خطط ألمانية قديمة»، إنّ «مد قواعد المنشآت جنوباً لتتجاوز دول الاتحاد المتوسطي»، جاء بسبب ضغوط الدول الخليجية التي رأت أن إنشاء هذه الشبكة شمالاً يمكن أن يستبعدها مستقبلاً بعد أفول طاقتها النفطية. ومن المنتظر أن تبلغ مساحات الألواح اللاقطة ما يزيد على ٣٠٠ كيلومتر مربع موزعة على مجمل المناطق الداخلة ضمن الشبكة، وبشكل خاص في المناطق النائية.
بالطبع، هناك عوائق كثيرة تعوق «التنفيذ المثالي» لهذا المشروع، أبرزها سياسية؛ ويبدو النزاع العربي ـــــ الإسرائيلي في مقدمها، إلا أنه ليس الوحيد. فعلى حد تعبير أحد الناشطين المهتمّين بهذه الأنواع من المشاريع، تفيد نظرة بسيطة إلى الخريطة بأن «خطّ التوتر السياسي» يوازي خطوط انتشار إنشاءات الطاقة الكهروضوئية، «من موريتانيا إلى ظفار في عُمان، مروراً بالتشاد ودارفور» في الجنوب، إضافة إلى مسائل حدودية متعددة ومتشابكة، ومنها المقفلة مثل الحدود المغربية ـــــ الجزائرية، وهو ما يفسر بعض خطب الملك محمد السادس التي عرض فيها قبل أسبوع فتح الحدود المقفلة بين البلدين.

عدوان إسرائيل على غزة أفقد الاتحاد ديناميته ومصيره بات شبيهاً بـ«مبادرة برشلونة»
كذلك يبرز في هذا السياق، الشق الأمني الشائك في العديد من المناطق المتوقع أن يمر فيها المشروع. فكما هو معروف، فإن تنظيم «القاعدة» وعدداً من التنظيمات المرتبطة به، «تتّسع وتنمو في المناطق القاحلة»، وخصوصاً في جنوب شرق الصحراء الكبرى وفي جنوب اليمن وفي مناطق واسعة من صحراء العراق. ووفق أحد الخبراء «يبدو الأمر كأنه سباق بين تنظيم القاعدة والقوى الغربية على الوصول إلى الطاقة الشمسية»، في صراع يبدو صورة طبق الأصل للصراع على الطاقة النفطية.
ويواجه مشروع «ديزيرتيك» (وهو يعني تكنولوجيا الصحراء)، تهماً من بعض الناشطين في جنوب المتوسط كوصفه بأنه «مشروع استعماري» يهدف إلى سلب طاقة أفريقيا والصحراء ليستفيد منها أثرياء أوروبا. غير أن نائب وزير الخارجية الألماني، غنتر غلوسر، نفى «حصرية الاستفادة» من الطاقة التي يمكن أن يبلغ إنتاجها في السنوات الأولى نحو ٢٠ جيغاواط، أي ما يساوي إنتاج ٢٠ محطة توليد طاقة كهربائية.
وقد وقّعت على العقد الذي سوف يكون في «عهدة ألمانيا»، مجموعة من الشركات الضخمة، في مقدمها شركات «استثمارية» مثل شركة إعادة التأمين «ميونيخ ري»، والبنك الألماني، والعملاق «سيمنز» ومجموعة «إيوان» و«أر دبليو إي»، إضافة إلى مجموعة «سيفيتال» الجزائرية و«أبينغوا سولار» الإسبانية.