يقترب تاريخ 15 آب، موعد إطلاق «خريطة طريق» الزعيم الكردي عبد الله أوجلان لحل القضية الكردية. «خريطة» يُفتَرَض أن تستبقها حكومة تركيا بخطة بديلة شاملة، سعى حكام أنقرة إلى تسريب عناوينها العريضة إلى الإعلام
أرنست خوري
نشرت صحف تركيا، على مدى الأيام الماضية، تقارير ومقالات تكشف عن «محرّمات» لم يكن العقل التركي، ولن يكون، مستعداً للتنازل بشأنها، وعناوين أخرى ستكون أنقرة «متسامحة» إزاءها في رحلة البحث عن «حل ديموقراطي» للقضية الكردية. وتبدو الصورة الأولية للخطوط العريضة للخطة التركية أنها مجموعة ردود على ما ينوي زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان اقتراحه؛ عرض الرجل، وفق ما نُقل عنه أخيراً، تخلياً كردياً نهائياً عن حلم إقامة دولة كردستان التاريخية، واعترف بـ«ميثاق ملي» الذي أرسى حدود الجمهورية التركية الحالية، بشرط إعطاء أكراد تركيا حكماً ذاتياً ديموقراطياً مرفقاً باستبدال دستور ما بعد انقلاب عام 1981 بآخر جديد أكثر ديموقراطية. وأمام هذا العرض، أجمعت تسريبات وزراء حكومة رجب طيب أردوغان على أنّ تغيير شكل الحكم في تركيا لتحويلها إلى فدرالية، هو من الخطوط الحمراء التي لن يُتفاوَض بشأنها. خطّ أحمر جاء لينضم إلى خطوط كثيرة اشترطت أنقرة عدم مناقشتها في أيّ صيغة للحل، لكنها قد تكون مجرّد رفع لسقف التفاوض في مقدمة للتنازل في شروط أخرى، وهو ما يحصل عادة في أي عملية دبلوماسية.

تنازلات أنقرة كردياً عديدة، لذلك يُحتَمَل أن تكون خطوطها الحمراء مجرّد رفع لسقف التفاوض
وأبرز ثاني الخطوط الحمراء التركية، رفض إصدار عفو للإفراج عن أوجلان، «قاتل 30 ألف تركي» بنظر العقلية التركية السياسية التقليدية، في مقابل الموافقة على إخراجه من زنزانته الانفرادية التي يقبع فيها منذ عام 1999 في سجن جزيرة إمرلي. لكن صحافيي المعارضة والموالاة التركيتين يدركون أنّ الرفض المطلق لبحث اقتراح عفو خاص عن أوجلان، أو عام عن آلاف «الهاربين إلى الجبال»، أو مقاتلي «الكردستاني»، ليس جدياً، ويعرف هؤلاء جيداً أنّ الحكومة «قريبة من أي مفاوضات بشأن إطلاق سراح آبو» إذا كان ذلك كافياً لطيّ صفحة النزاع الكردي، على حد تعبير أركان يافوز من «توداي زمان».
كذلك يحتمل أن تتحدث الخطة التركية، التي قد تبصر النور في غضون أيام أو ربما ساعات، عن عفو ما، لكون هذا الشرط من الخطوط الحمراء الكردية هذه المرة، ببساطة لأنّ أيّ تخلٍّ عن السلاح غير وارد من دون عفو عن آلاف المقاتلين الموزعين بين الحدود ـــــ الجبهات العراقية والإيرانية والسورية. ويذكّر متابعو الملف الكردي، ممن هم واثقون من صدور عفو عام عن مقاتلي «الكردستاني»، بأنّ قائد الجيش، الكردي الجذور، إلكر باسبوغ، لمّح شخصياً إلى استعداد مؤسسته لتعديل المادة 220 من قانون العقوبات لإتاحة صدور عفو «بشرط تعاون المستفيدين منه مع القوى الأمنية».
ومسيرة تنازلات الحكومة التركية منذ عام 2002 عن الملف الكردي طويلة. أبرزها كان استخدام مصطلح «القضية الكردية» بدل «مشكلة جنوب شرق تركيا» أو «مشكلة الإرهاب». وليس الأمر تفصيلاً لغوياً، إذ يرى أكراد تركيا أن اعتراف أنقرة بأن الشأن الكردي التركي «قضية» بذاتها، هو إعراب عن حسن نيّة لا بد منها للوصول إلى حلّ جدي.
تطور ثانٍ لا يقل أهمية عبّرت عنه موافقة الحكومة التركية على إعادة الأسماء الكردية إلى عدد من المناطق والشوارع التي جرى «تتريكها»، وإعرابها عن استعدادها لإعادة الجنسية التركية لآلاف الأكراد الذين تركوا البلاد هرباً من الفكر الأتاتوركي في العقود الماضية.
وثالث تنازلات أردوغان كردياً، كان اجتماعه مع رئيس حزب أكراد تركيا الأسبوع الماضي، «المجتمع الديموقراطي»، أحمد تورك (الصورة)، للتباحث معه في القضية الكردية. تنازل لأنّ حكومة «العدالة والتنمية»، كانت ترفض، شأنها شأن سابقاتها، أن تحاور «المجتمع الديموقراطي» في الشأن الكردي قبل أن يعلن أنّ توأمه، «العمال الكردستاني»، هو حزب إرهابي. لم يلبِّ «المجتمع الديموقراطي» هذا الشرط، حتى إنه أعرب عن استعداده لتمثيل آبو في مفاوضة حكام تركيا، ورغم ذلك، وجد أردوغان نفسه مضطراً لمحاورتهم.
أما ثالث أهم التنازلات التي تهمّ فعلاً الأكراد، فهو ما يتعلق بحقوقهم الثقافية من ناحية اللغة والتعليم والإعلام الخاص. كانت حكومة أردوغان سبّاقة في هذا الموضوع، فخفضت القيود المفروضة على التداول باللغة الكردية وتعليمها، وفتحت تلفزيون «trt 6» الذي يبث بالكردية (بالإضافة إلى الفارسية والعربية) وإذاعة حكومية كردية أيضاً، وهي تنوي إلغاء كل ما يسيء إلى الأكراد من معجم اللغة التركية وتحرير الهوية التركية في الدستور من أي شروط تتعلق بالإثنية. كل ذلك يترافق طبعاً مع المشاريع القديمة لتنمية مناطق الأكراد وصرف 12 مليار دولار عليها، لتطبيق أكبر مشروع تنموي تعرفه الجمهورية التركية في تاريخها.