بات من شبه المؤكّد أنّ أنقرة لن تسمح لزعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بإعلان «خريطة طريقه» لحل القضية الكردية، قبل أن تنتهي هي من إعداد خطتها التي نالت دعم الجيش لها
أرنست خوري
كان من المفترض أن يطلق زعيم حزب «العمال الكردستاني»، عبد الله أوجلان، «خريطة طريق» لمصالحة كردية ـــــ تركية في 15 آب الجاري، غير أنّها «لم تكن جاهزة» في هذا التاريخ، بحسب محامي دفاعه، الذين حدّدوا موعداً جديداً لتبصر النور في التاسع عشر من الشهر الجاري (الأربعاء الماضي). حلّ يوم الأربعاء ولم يصدر شيء عن سجين جزيرة إمرلي. وكأنّ عدم كشف النقاب عن عروض «آبو» كردياً، جاء تطبيقاً لما كانت أنقرة قد جزمت به، على لسان وزير خارجيتها أحمد داوود أوغلو، بأنها لن تكترث لبنود «خريطة» أوجلان، بذريعة أنها أطلقت ورشة عمل ضخمة تسعى من خلالها إلى حشد أكبر إجماع رسمي وسياسي وعسكري وشعبي خلف خطّة حكومية شاملة يتولّى وزير الداخلية بشير أتالاي تنسيقها منذ فترة، وستُعرَض «حالما تصبح جاهزة من دون الالتزام بموعد محدّد سلفاً».
غير أنّ الأكراد، ظلّوا ينتظرون «خريطة» قائدهم. لم يصدر تبرير لعدم خروج جديد عن زنزانة أوجلان، وبقي الأمر ملتبساً حتى أول من أمس، حين كشفت صحيفة «توداي زمان» المقربة جداً من حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، عن أنّ «عطلاً ميكانيكياً» طرأ على القارب الذي كان يقلّ محامي أوجلان إلى إمرلي، وحال دون وصولهم وتسلّمهم «الخريطة» منه، وكأنّه ليس هناك إلا قارب واحد يمكن أن ينقلهم إلى الجزيرة ـــــ السجن القريبة من اليابسة، والواقعة في بحر مرمرة. واللافت أنّ أيّ بيان لم يصدر عن فريق المحامين (عمر غونش ومحيي الدين أوزوتوزون وثروت ضمير وسنغيز جيجيك) لشرح ملابسات القضية.

«عطل ميكانيكي» منع محامي أوجلان من الوصول إلى سجنه لتسلّم «خريطته»
وروت «توداي زمان» تفاصيل الحادثة على الشكل الآتي: عند صباح يوم الأربعاء، حضر المحامون للتوجه إلى سجن موكّلهم لحضور اللقاء الأسبوعي معه. وبعدما تمّ التدقيق بالصحف والملفات التي كانت بحوزتهم، سمحت الشرطة للقارب بأن ينطلق نحو الجزيرة ـــــ السجن، «غير أن عطلاً ميكانيكياً أجبرهم على العودة من حيث أتوا وتأجيل موعد لقاء موكلهم» من دون تحديد تاريخ جديد.
في هذا الوقت، نالت الخطة المنتَظَرة لحكومة رجب طيب أردوغان دعم أعلى هيئة عسكرية في البلاد، وهي «مجلس الأمن القومي» الذي عقد اجتماعاً دام 7 ساعات وخرج عنه بيان قدّم دعماً لا لبس فيه لـ«مبادرة الحكومة لتمتين الوحدة الوطنية والسلام والازدهار والسعادة للشعب التركي». وخُتم البيان بقرار «يوصي بأن تستمر الجهود المبذولة تحت إشراف وزارة الداخلية».
هكذا يبدو أنّ أنقرة قرّرت تسريب بنود خطّتها لحل المعضلة الكردية «بالتقسيط»، إذ لا يكاد يمر يوم واحد إلا يتم الإعلان عن إجراء جديد في سبيل إصلاح ما يمكن إصلاحه مع أكراد البلاد؛ فبعد أفكار العفو، وتنمية جنوب شرق البلاد، وإعادة الأسماء الكردية إلى القرى والمدن، وتخصيص تلفزيون وإذاعة يبثان باللغة الكردية، والتلميح إلى إمكان إدخال تعديلات دستورية تساوي بين المواطنين الأتراك كافة، بغض النظر عن التمييز الحالي على أساس الانتماء الإثني، وتهيئة الأجواء لإعادة الجنسية إلى فئات من الأكراد، وشطب المصطلحات التي تربط ما بين الأكراد والإرهاب، كشف أحد النواب المساعدين لأردوغان، عمر جيليك، لصحيفة «أقسام»، أنّ الحكومة تفكر جدياً بإدخال اللغة الكردية إلى المدارس كمادة اختيارية بهدف «هدم جدار برلين الثقافي» بين الأتراك والأكراد.
وأخيراً، بشّرت نائبة رئيس الحزب الحاكم، أديبة سوزن، بأنّ الحكومة قرّرت جعل خطتها الكردية مفتوحة أمام الجمهور، وذلك من خلال استحداث «لجنة الإعلام العام» المكلفة بشرح بنود «تفاهم الإدارة العامة للديموقراطية وحقوق الإنسان»، في ما يشبه الرد على بيان رئيس حزب «الحركة القومية» اليميني المتطرف دولت بهشلي، الذي رأى أن مساعي حكومة أردوغان كردياً «لا تهدف سوى إلى تدمير وحدة الأمة التركية».