باريس ــ بسّام الطيارةعاد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من إجازته التي قضاها في منزل زوجته في «رأس العبد» جنوب فرنسا، ليستقبله خبر مفرح؛ فقد ربح نقطة واحدة في استفتاءات الرأي التقليدية التي تُنَظَّم في نهاية العطلة الصيفية. رغم هذا التقدم «الطفيف»، فإن عدد الذين يرون أنه غير مرغوب فيه (٥٣ في المئة) لا يزال يتجاوز عدد الذين يؤيّدونه (٤٦ في المئة). ورغم ذلك، فإن ساركوزي لا يزال يخطّ سياسته كما تصوّرها قبل وصوله إلى الإليزيه، غير آبه بما يمكن أن تتركه من آثار سلبية عميقة على المجتمع الفرنسي الذي لا يتأثر بـ«المسحة الإعلامية» التي تطبع خطواته وتحرّكه في الداخل وفي الخارج.
وقبل ساعات من انعقاد «مؤتمر السفراء الفرنسيين»، صدر عن الإليزيه «رسالة تكليف» استحدث بموجبها منصباً لمتابعة شؤون الشرق الأوسط والنزاع العربي ـــــ الإسرائيلي، يشبه منصب «سفير فوق العادة»، واسمه «ممثل خاص لفرنسا للشؤون الاقتصادية والثقافية والتربوية والبيئة المتعلقة بمسيرة السلام في الشرق الأوسط»، وعيّن السيدة فاليري هوفنبرغ في هذا المنصب.
وقد تعجّب عدد من المراقبين من توقيت إعلان هذا المنصب الجديد «وديباجة المهمات التي يغطّيها»، كما أوضح مصدر مقرب من وزارة الخارجية لـ«الأخبار»، مشيراً إلى أن الممثلة الخاصة سوف تغطي «ثلاثة أرباع ما تقوم به الوزارة في المنطقة».
ورغم أنّ الرسالة حدّدت على هوفنبرغ العمل تحت «سلطة وزير الخارجية»، إلا أن عدداً من المراقبين يتفقون على أنها «أتت من أفق مغاير لمزاج وزير الخارجية برنار كوشنير»، وأنه سوف يكون لها حرية تحرك مطلقة، لأنها «من عصب ساركوزي ورافقت صعوده» إلى منصبه الحالي، كما سبق للرئيس أن «جربّها» حين كلفها قيادة مشروع «المجمع الفرنسي ـــــ الفلسطيني الصناعي في بيت لحم»، وهي ستكون مسؤولة أمامه بموجب رسالة التكليف، وعليها تقديم تقارير دورية له.
إلا أنّ اختيار هوفنبرغ لهذا المنصب، يفتح لها أبواب وزارة الخارجية «على الطريقة الأميركية»، إذ إنها ليست دبلوماسية مهنية، إضافة إلى أنها ممثلة رئيسة فرع جمعية أميركية هي «اللجنة الأميركية ـــــ اليهودية» (American Jewish Committee) في فرنسا، وسبق لها أن عملت في «الاستيراد والتصدير» قبل أن تقرّر، كما تقول سيرتها الذاتية، الانتقال عام ٢٠٠٠ للعمل في النشاطات الاجتماعية. وبعدما قضت أربع سنوات في الجمعية الأميركية ـــــ اليهودية، عُيّنت رئيسة لمكتب باريس. ويعرف المتابعون أنها كانت وراء قرار تسليم ساركوزي «سعفة الجمعية الأميركية ـــــ اليهودية» في تشرين الثاني الماضي في نيويورك، ورافقته في زيارته إلى إسرائيل وبيت لحم.
وتشارك هوفنبرغ في رئاسة اللجنة التربوية التي أنشأها ساركوزي لوضع كتاب تربوي «يساهم في زيادة التفاعل بين شعوب البحر الأبيض المتوسط»، في إشارة غير مباشرة لتأسيس حوار بين العرب وإسرائيل، وكانت عرابة فكرة تنظيم أول رحلة لـ«قيادات مسلمة فرنسية من الجيل الثاني» إلى الدولة العبرية، وسبق لها أن نظمت لقاءات بين طلبة فلسطينيين وإسرائيليين.
ويتعجّب بعض المراقبين من اختيار ساركوزي لهوفنبرغ ممثلةً خاصة لفرنسا، وهي تحتل هذا المركز في الجمعية اليهودية التي تأسست قبل مئة عام، والتي يتضمن برنامج عملها «حماية اليهود والطائفة اليهودية في العالم ودعم إسرائيل»، وخصوصاً في ظل جمود مسيرة السلام في المنطقة.
ويتخوف البعض من أن يسهم هذا الاختيار في زيادة التباعد بين الدبلوماسية الفرنسية وبعض القوى الفلسطينية التي تنتقد «إعطاء أولوية للشق الاقتصادي والبيئي والثقافي للصراع وتجاوز الشق السياسي ومسألة الاحتلال».