لقد كان متوقعاً قبل التصويت انتصار يوقيو هَتوياما (٦٢ عاماً)، لكن لا أحد توقع «تسونامي» بهذه القوة، ولا أن تسجل المشاركة أرقاماً قياسية كما حدث أمس، إذ تجاوزت ٦٩ في المئة
بسّام الطيارة
انتهت العملية الانتخابية اليابانية، أمس، بفوز كاسح للحزب الديموقراطي الياباني، منهياً بذلك «استئثاراً حصرياً» للحزب الليبرالي المحافظ بالحكم منذ سنوات طويلة. وبحسب آخر أرقام وصلت عند إقفال معظم مكاتب التصويت، من المتوقع أن يحصل الحزب الديموقراطي الحرّ وحلفاؤه على نحو 305 مقاعد من أصل ٤٨٠ حسب نظام مزدوج يجمع بين النسبية في ١١ دائرة كبرى (١٨٠ مقعداً) وانتخاب مباشر بدورة واحدة لـ٣٠٠، بينما لن تتجاوز حصة الحزب الليبرالي الحاكم حالياً الـ117 مقعداً.
ويتحالف الحزب المنتصر مع الحزب الاشتراكي، الذي تراجعت قوته كثيراً منذ سنوات، والحزب الشعبي الجديد في مجلس الشيوخ. ومن المؤكد تكليف هَتوياما، الزعيم المتنقل بين المعارضة والحزب الحاكم قبل أن يقرر تأليف «جبهة معارضة» لإزاحة الحزب الليبرالي المحافظ، بتأليف الحكومة الجديدة خلال الأيام العشرة المقبلة. وكان قد وعد خلال الحملة الانتخابية بأن يجعل حكومته «في خدمة المواطنين» ودفع إلى أعلى قمة وعوده الانتخابية مجموعة طموحات تصبّ كلها في اتجاه دعم القوة الشرائية للمواطنين وزيادة المساعدات الاجتماعية للطبقات الفقيرة التي بدأت أعدادها تتزايد.
ومن ضمن الوعود العودة إلى «مجانية التعليم»، بعدما انزلق النظام التعليمي في اليابان منذ سنوات نحو خصخصة غير مباشرة، إضافة إلى جعل التنقل على الطرق السريعة مجانياً، بعدما كان الأغلى في العالم. وقدر الخبراء «تكلفة البرنامج الانتخابي» للحزب الديموقراطي الرابح «في حال تطبيقه كاملاً» بنحو ١٢٥ مليار يورو سنوياً لفترة ٣ سنوات. ووعد أركان الجبهة، في ردهم على أسئلة الناخبين عن كيفية تمويل هذا البرنامج الواسع والمكلف، بأن الحكم الجديد سيسعى إلى «ملاحقة الإسراف وحصر النفقات الحكومية» والحدّ من المشاريع التي تستفيد منها شركات خاصة وليست ذات جدوى اقتصادية أولية.
إلا أن بعض الخبراء يتشككون في إمكان أن يستطيع هَتوياما تنفيذ مجمل وعوده الانتخابية، وخصوصاً أن الجبهة التي تدعم حزبه ليست متناسقة الأهداف ولا ذات أرضية سياسية واحدة، بل تجمع النقيض من اشتراكيين إلى شعبويين، مروراً ببعض الأحزاب الدينية. كذلك في ظلّ «نقص الخبرة» وعدم وجود أقنية مباشرة داخل الوزارات، بعدما أمسك الحزب الليبرالي بمقاليد إدارة الدولة ووكالاتها لأكثر من ستة عقود، يضاف إلى هذا واقع اليابان الذي يخرج لتوّه من أعنف حالة ركود عرفها اقتصاده.
ويرى مراقبون أن بعض الوعود الانتخابية مثل الإنفاق العائلي وتقديم مساعدات مالية لمن ينجبون أطفالاً، إضافة إلى إنقاذ نظام تعويضات نهاية الخدمة المتهالك، سيكون من الصعب تنفيذها على نحو حاسم ومنهجي في المرحلة الأولى بسبب الوضع المالي العام، إذ يمكن أن تؤدي إلى زيادة كبيرة في الدين الياباني العام، وخصوصاً أن الحزب تعهد عدم زيادة قيمة الضريبة المضافة على المشتريات البالغة ٥ في المئة خلال السنوات الأربع المقبلة.
إلا أن دعم المزارعين سيكون من أولويات الحزب الديموقراطي، إذ إن هذه الطبقة مثّلت على مدى العقود الماضية قاعدة الحزب الليبرالي وسمحت له بالسيطرة السياسية عبر بيروقراطية خدمت الصناعة التصديرية والزراعة الموجهة للسوق الداخلية، ومن الطبيعي أن يسعى الحزب الليبرالي إلى مراعاتها لضمان موقعه في الحكم.

يشكّك الخبراء في أن يستطيع هَتوياما تنفيذ مجمل وعوده الانتخابية
أما على صعيد السياسة الخارجية، فيرغب الحزب، بحسب برنامجه الانتخابي، تبني مواقف دبلوماسية أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة، الحليف الذي يعتمد أمن اليابان الاستراتيجي على «مظلته النووية»، وذلك بالسعي لبناء علاقات أفضل مع آسيا، وخصوصاً الصين ومحاولة تجاوز ذكريات الحروب السابقة والاستعمار الياباني لبعض دول محيطه.
ورغم أن شعار هَتوياما الانتخابي كان «يُو أي»، ومعناه «حب وصداقة»، إلا أن مقربين منه يقولون إنه يتحدث في بعض الأحيان عن إمكان «إلغاء المادة التاسعة من الدستور» التي جعلت من اليابان دولة مسالمة تمنعها من المشاركة في الحروب، وهو ما يمكن أن «يثير قلقاً» لدى جيرانه الذين خبروا الاستعمار الياباني. إلا أنه في موازاة هذا التوجه فهو يدعو إلى مواجهة الماضي بشجاعة والاعتراف بما اقترفته اليابان بحق هذه الدول.
ومن المتوقع أن تتقرب الحكومة الجديدة من الصين، الغريمة الآسيوية، وخصوصاً أن هَتوياما تكلم عن إقامة «جبهة آسيوية» على الصعيد الاقتصادي للتصدي للأزمة المالية العالمية، وهو ما ترحب به الصين ويمكن أن يثير «الحليف الأميركي».
كذلك يتوقع البعض أن يسعى إلى تخفيف مساحة القواعد العسكرية الأميركية في أوكيناوا التي يتذمر منها سكان الأرخبيل وتمثّل نقطة خلاف دائمة بسبب تصرفات القوات الموجودة فيها.


حكم عائلي

لم يتوقف الإعلام عن ترديد مقولة أن وصول يوقيو هَتوياما (الصورة) لمنصب رئيس وزراء اليابان يمثّل نقلة نوعية في سياق تداول السلطة، منذ حلّ المجلس النيابي بعدما وصلت شعبية رئيس الوزراء السابق تَروو أسو إلى الحضيض (١٤ في المئة)، إذ إنها المرة الثانية (الأولى كانت عام ١٩٩٣ لفترة قصيرة جداً) التي تنتصر فيها المعارضة على الحزب الليبرالي الذي يحكم البلاد منذ ١٩٤٥.
إلا أن إمساك هَتوياما بالحكم يبرز استمرارية «السلالات السياسية الحاكمة» وكأن عهد «الشوغون الوراثي» لا يزال سارياً في بلاد الشمس الساطعة، وهو ما بدأ يثير بعض التململ لدى المواطن الياباني.
إذ إن جد رئيس الوزراء الجديد إيتشيرو هَتوياما سبق له أن احتل هذا المنصب، وكذلك جد الخاسر أسو إيتشيرو (١٩٥٢ـــــ ١٩٥٤) وكان والده نائباً لوزير خارجية سابق، بينما جده من جهة والدته شيغيرو يوشيدا كان رئيس وزراء سابقاً (١٩٤٦ـــــ ١٩٥٤). وكان قد سبقهما إلى الحكم يَسوو فُوقُودا (٢٠٠٧ـــــ ٢٠٠٨) ابن رئيس الوزراء تَقيو فُوقُودا (١٩٧٢ـــــ ١٩٧٤). ويستعد لدخول حلبة السباق شينجيرو قوئيزومي ٢٨ سنة، ابن رئيس الوزراء السابق الشعبوي جونتشيرو كويزومي (٢٠٠١ـــــ٢٠٠٦).
وقد عصفت مواقع الإنترنت والمدونات بانتقادات لم تعرفها اليابان سابقاً للطبقة السياسية التي تهيمن على البلاد منذ ١٠٠ عام، أي قبل الحرب والهزيمة، مستبعدة أي إمكان لتجديد الطاقم السياسي. وعلى نحو مباشر أو غير مباشر، تمسّك أيضاً بمواقع هامة في اقتصاد اليابان، وأفرادها من كبار أثرياء اليابان مثل رئيس الوزراء الجديد الذي يملك شركة «بريدجستون» الشهيرة.