تزامناً مع زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لموسكو، طرحت «نيويورك تايمز» على الشعب الروسي سؤالاً: «لماذا لا يفهم الأميركيون الروس؟»، فأجابوا: «جهل بالتاريخ واختلاف في السياسة وفجوة اجتماعية كبيرة»
صباح أيّوب
«في عهد بريجنيف كنّا إمبراطورية الشرّ. وفي عهد غورباتشيف بتنا أصدقاءكم ثم صنّفنا دولة ساقطة. مع يلتسن، اعتُبرنا ديموقراطية شابّة وربّتم على كتفنا. ومع بوتين، ها نحن إمبراطورية الشرّ من جديد. لو كنت أميركياً لما شُغلت حقاً بالتفكير في روحية الشعب الروسي اليوم، بل لنظرت إلى الحقائق كما هي. لا تحاولوا تصنيفنا بين الدول، فنحن، كالصين، كوكب منفصل»، هكذا توجّه المواطن الروسي بيتر (30 عاماً) إلى الولايات المتحدة الأميركية وشعبها.

وهذه عيّنة من الرسائل القصيرة التي وردت على مدوّنة «نيويورك تايمز» الناطقة باللغة الروسية، حين سألت الصحيفة: «ما الذي لا يفهمه الأميركيون عن الروس؟» متوجّهة إلى الشعب الروسي تزامناً مع زيارة الرئيس باراك أوباما لموسكو.
ونشر موقع الصحيفة عشر مشاركات، بينها ثمان رأت أنّ «الولايات المتحدة لا يمكن أن تفهم الشعب الروسي» وذلك لعيب في أميركا وشعبها، ومشاركان اثنان (أحدهما من أوكرانيا) رأيا أن الخطأ من الروس أنفسهم بسبب «جهلهم بماضيهم ومستقبلهم». ولم تخل أي مداخلة من ذكر لحقبة الاتحاد السوفياتي، إذ أبدى الجميع (حتى الشباب) «احتراماً وتقديراً» لها باعتبارها «جزءاً مهماً من تاريخ روسيا وحاضرها».
أما أسباب عدم فهم الأميركيين للشعب الروسي فهي تاريخية، سياسية واجتماعية، شرحها الروس كما يأتي: تاريخياً، رأى البعض أنّ الشعب الروسي بطبيعته يفضّل «الوصول إلى الحقيقة»، أما الأميركيون فيحبّون «الوصول» فقط بأي ثمن. كذلك فإنّ روسيا التي فقدت أكبر عدد من الضحايا في «الحرب العالمية الثانية» خرجت منتصرة، «والنصر كان للشعب كله الذي شارك في الحرب على عكس الأميركيين». الاتحاد السوفياتي احتلّ المساحة الأكبر من الرسائل، إذ وجّه البعض انتقادات لاذعة للأميركيين، معتبراً أنّ هؤلاء «لم يعيشوا تلك الفترة إلا من خلال البروباغندا، ولم يفهموا معنى الاتحاد السوفياتي إلا عبر ما قدّمته لهم الأفلام الهوليوودية».
«لمَ لا نكون فخورين بما أنجزه الاتحاد السوفياتي؟ رغم كل ما حصل، نعترف بأنّ النظام السوفياتي، الذي لم ننجح في تطبيقه، كان قوياً. والفوضى عمّت تحديداً بعد سقوطه»، يقول أندريه بيسبالوف (24 عاماً). وأنهى رسالته قائلاً: «وللديكتاتورية منافعها: نسبة الجرائم كانت منخفضة، نسبة الإدمان شبه معدومة، والوضع الاجتماعي متوازن».
على الصعيد السياسي، يصف الروس مواقفهم المعادية للولايات المتحدة بـ«الطبيعية»، بسبب سياسة «حلف شمالي الأطلسي» التوسعية، وبسبب دعم أميركا لنشر الصواريخ والقواعد العسكرية على الحدود الروسية، إضافة إلى الشعور الجماعي بـ«هزيمة تاريخية» بعد انتهاء الحرب الباردة. ويستغرب البعض كيف أنّ أميركا احتجّت على التدخل العسكري الروسي «المبرّر» في جورجيا، «بينما تجاهلت الحروب التي شنّتها هي أخيراً واعتمدت على حجج واهية وكاذبة».
اجتماعياً، علت نبرة الروس أكثر فأكثر، إذ وردت رسائل تقول إنّه «في روسيا العلاقات بين أفراد العائلة وبين الأصدقاء لا تزال متينة، فنحن نستدين الأموال من أقاربنا لا من المصارف، ونلجأ إلى الأصدقاء بدل المعالجين النفسيين، ونعرف تماماً كيف نتعامل مع جار ثمل فلا نهرع إلى طلب الشرطة له». ويخلص أحدهم متوجّهاً إلى الأميركيين: «لن تتمكّنوا من فهمنا أبداً، لأنكم ستظلون عالقين في شرنقة إعلامكم الذي يصوّر الروس دائماً أعداءً لأميركا. فليكن».