تكثر الشائعات عن عبد الله أوجلان المعتقل منذ 10 سنوات لم يرَ خلالها سوى محاميه كل أربعاء مرة في الأسبوع. هذه المرة، تبدو الرواية جدية؛ سيعرض أوجلان «خريطة طريق» مصيرية لحل الأزمة الكرديةأرنست خوري
كانت التسريبات الوافدة من سجن إمرلي، حيث يُعتقل زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان انفرادياً منذ 10 سنوات، عن قرب إطلاق الرجل «خريطة طريق» شاملة لحل الأزمة الكردية، كافية لتهزّ عرش حكام تركيا. تسريبات حملت معها رسالة واضحة: إمّا تسارعون وتسبقون «آبو» بعرض ما لديكم من حلول عملية وواقعية ومقبولة لطيّ صفحة القضية الكردية، أو تجدون أنفسكم مضطرين للأخذ باقتراحات الرجل الذي لا يزال، رغم الإخفاقات والإحباطات والسقطات، يملك كلمة السر التي تشعل أو تهدّئ نصف أرجاء تركيا على الأقل.
واحتلّ نبأ قرب إطلاق أوجلان «خريطته»، مساحات هائلة في الصحف ووكالات الأنباء والتلفزيونات التركية. الموعد المنتظر يتأرجح بين 12 و15 آب المقبل، تاريخ انطلاق الحركة المسلحة الكردية التي كان أوجلان نفسه بطلها قبل ربع قرن. وبحسب رئيس تحرير صحيفة «حرييت»، إرتوغرول أوزكوك، الذي التقى محامي أوجلان طويلاً، فإنّ الخطة ستحمل جديداً تاريخياً: اعتراف سيكون الأول في مسار الحركة الكردية، بـ«ميثاق ملّي» لعام 1920 الذي ثبّت حدود الدول التي ينتشر فيها الأكراد والتي نشأت على أنقاض السلطنة العثمانية. بكلام آخر، ينوي أوجلان حثّ أنقرة على إقامة «تحالف استراتيجي» مع أكراد سوريا والعراق (كركوك والموصل)، يتم بموجبه، احترام حكم ذاتي ديموقراطي للأكراد في الدول التي يعيشون فيها.
ويحمل مصطلح «ميثاق ملي» أهمية استثنائية إذا ورد على لسان أوجلان، إذ إنّه كان الإعلان الأخير للبرلمان العثماني قبل انهيار الرجل المريض، وبموجبه رُسّمت الحدود الحالية لدول المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى. وفيما ضمّ «الميثاق» الموصل وكركوك إلى تركيا، فإنّ محامي الزعيم الكردي نقلوا عنه عدم رغبته بتغيير الحدود. ووفق ما نُقل عنه، فإنّ أوجلان سيغازل الأتراك عندما سيقول إنّ حرب الاستقلال (ضدّ اليونان) كانت «حرباً وحّدت الأتراك والأكراد»، وإنّ «ميثاق ملي» كان «رمزاً لوحدة الأتراك والأكراد». وبحسب محامي الرجل، فإنّ «خريطة الطريق» ستتضمّن خطوات قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى لحل المعضلة الكردية ولتسليم «العمال الكردستاني» سلاحه. سيعلن «الكردستاني» أنه مستعدّ للتخلي عن سلاحه، وشرطاً يقضي بإلغاء دستور ما بعد انقلاب عام 1981 وإقرار دستور ديموقراطي عصري وفق صحيفة «ملييت».
وبحسب الصحافي الشهير في «وطن»، روشن شقير، فإنّ الحكومة تنظر إلى «خريطة أوجلان» بـ«ارتياب غير مريح، لأنها تدرك أن الرجل قادر على أن يقترح شيئاً قابلاً للتطبيق، وسيضعها في عنق الزجاجة، وقد تضطرها الخطة إلى أخذ الاقتراحات بالاعتبار».
لهذه الأسباب، سارعت نائبة رئيس الكتلة البرلمانية لـ«العدالة والتنمية»، النائبة الكردية عن ديار بكر إحسان أرسلان، إلى حثّ حكومتها على استباق موعد إعلان أوجلان خطّته وإطلاق خريطة أخرى. وفيما اكتفى وزير الداخلية بشير أتالاي بالقول
يتوقّع إعلانها في
12 أو 15 آب والحكومة التركية تسعى لاستباقها بخطة أخرى

لـ«توداي زمان» إن حكومته «تعمل على الملف الكردي»، بدا وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو حانقاً إزاء الاهتمام الإعلامي بمضمون الخريطة المتوقعة. وقبيل توجهه برفقة رئيس حكومته رجب طيب أردوغان إلى حلب، أمس، نقلت صحف تركية عنه جوابه عن سؤال حول التداعيات المحتملة لخريطة أوجلان، فقال إن «تركيا ستضع حلولاً بنفسها في مجلس الوزراء ومجلس الأمن القومي». وختم بأن «هذه المشكلة ستحل في أنقرة، لا في سجن إمرلي».
ومنذ 3 أيام، ملأت الانتقادات والمخاوف ومواقف الترحيب بالخريطة المنتظرة، الشارع التركي. فوسط حماسة إيجابية في أوساط حزب «المجتمع الديموقراطي»، المقرب جداً من «العمال الكردستاني»، لم يكفّ حزب «الحركة القومية» اليميني المتطرف عن شتم الحكومة التي تسمح لـ«إرهابي كأوجلان بتقديم اقتراحات والتحدث عن خطط سياسية».