حديث عن دعم الحكومة في مواجهة المعارضة واستبعاد فرضية المصالحةنيويورك ـــ نزار عبود
في وقت بدت فيه الأزمة في الصومال أنها وصلت إلى مرحلة اللاتحسن والمراوحة في المربع الأخير من محيط القصر الحكومي، أثنى ممثل الأمم المتحدة الخاص بالصومال، أحمد ولد عبد الله، على قدرة الحكومة في مقديشو على الصمود في وجه المعارضة المسلحة. ورأى أن البلاد تمر بمنعطف خطر. وطالب، في مجلس الأمن الدولي، بدعم حاسم للحكومة والقبائل المختلفة التي قبلت مشاريع التسوية بموجب اتفاقية جيبوتي التي تم التوصل إليها في آب 2008.
دعم ليس متاحاً حالياً، ولن يكون كافياً في أي مرحلة من المراحل، والأسباب كثيرة. فالصراع في الصومال تتداخل فيه العناصر القبلية مع الإقليمية. ويذوب الإقليمي بالدولي. لذا قد تؤكد الأيام المقبلة أن الحسم في الصومال لن يكون لهذا الطرف أو ذاك لأن القرن الأفريقي منطقة استراتيجية خاصة لا تسمح أي قوة عظمى لأي قوة ثانية بأن تستأثر بها. أمر يجعل القوى المحلية والإقليمية تلعب في المساحات الرمادية ضمن حدود ترسم بالدم. بيئة أصلح ما تكون لترعرع منظمات خارجة عن قواعد اللعبة التقليدية. فنشطت التجارات من السياسة إلى القرصنة وبيع السلاح وحتى الرهائن.

يأتي الدعم الدولي على شكل أسلحة أميركية لتمدد أجل الصراع أياماً أو أعواماً
في هذا الوقت في نيويورك، كان وزير خارجية الحكومة الاتحادية الانتقالية، محمد عبد الله عمر، يقدم أوراق اعتماده للدول الفاعلة في مجلس الأمن. تحدث عن الشراكات الداخلية والإقليمية والدولية في مقارعة الفوضى والإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان. تحدث عن حق المواطن الصومالي في العيش الكريم. وعن واجب المجتمع الدولي في صيانة الأمن الداخلي لأنه ينسحب على الأمن الدولي. وقال إن الحكومة «قادرة على تأمين السلم والمصالحة الصومالية لو منحت الفرصة من خلال سدّ الباب الخارجي»، في إشارة إلى أريتريا المساندة لقوى المعارضة.
أما في مسألة القرصنة، فلوّح وزير الخارجية، شأنه شأن المبعوث الدولي ولد عبد الله، بتهديد القرصنة. وقال إن «بقاء الحكومة في مقديشو يعني حماية السلم والأمن الدوليين، بدءاً من البحر».
لكن ولد عبد الله يرى في القرصنة نشاطاً تجارياً مربحاً للغاية. وقال، عقب جلسة مجلس الأمن الدولي، «القرصنة تشبه نشاط صناديق التحوّط الاستثمارية. التجار يعطون القراصنة 10 آلاف دولار لشراء معدات وأسلحة حديثة. ليكسبوا خلال أيام أو أسابيع نصف مليون أو مليون دولار. إنها مخاطرة تجارية محسوبة بدقة».
إلى جانب الحوافز التجارية من القرصنة، تشعر التنظيمات المسلحة، مثل حركة «الشباب المجاهدون»، أن رأسها بات مطلوباً من قبل الدوائر الأجنبية بعد ربطها بتنظيم «القاعدة». والمفارقة أن تقريراً صدر عن فريق تقصّي حقائق مستقل قُدم في أوائل 2007 إلى مجلس الأمن الدولي كان قد اتهم «الشباب المجاهد» بأنه أرسل 700 مقاتل إلى جنوب لبنان لمساندة «حزب الله» في حرب تموز 2006. مجلس الأمن نفسه سخر من التقرير ولم يعتمده في وثائقه الرسمية، لكن الدوائر الإعلامية الغربية، بما في ذلك كبريات المطبوعات والمنظمات الأميركية، ظلت تشير إليه كأحد التقارير الرسمية الدولية التي لا تقبل الجدل.

الحكومة قادرة على تأمين السلم لو منحت الفرصة من خلال سدّ الباب الخارجي
وفي التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة كان هناك حديث صريح عن ضرورة المحاسبة والعدالة وعدم الإفلات من العقاب لمن يرتكب جرائم حرب، ومن يتعاون مع منظمات إرهابية أو يمارس أعمال القرصنة. وهناك وصف لهؤلاء بـ«المخربين والإرهابيين». وبالتالي فمن غير المتوقع أن تتجه تلك الجماعات والمنظمات إلى تسوية لا تعاملها على قدم وساق من الاحترام مع بقية المنظمات. فالمصالحات الوطنية تعني عادة، وكما حدث في غير نزاع، العفو عما مضى من أجل الفوز بمستقبل هنيء لمن بقوا على قيد الحياة.
وفي المقابل، من غير المتوقع أن تتقبل الدول النافذة، وفي مقدمها دول حلف شمالي الأطلسي، أن يبقى الصومال ساحة خارجة عن الطاعة في الحرب على الإرهاب. الروس والصينيون لا يصفون حلولاً ويتحدثون عن المعاناة الإنسانية الناتجة من الصراع. ويدعمون جهود المنظمات الإقليمية، ولا سيما الاتحاد الأفريقي ومنظمة مؤتمر الدول الإسلامية والجامعة العربية. وهذه المنظمات تخشى من تفشي الصراع في المنطقة في كل الاتجاهات.
وبانتظار الصيغ، يأتي الدعم الدولي على شكل أسلحة أميركية بعد البريطانية والإثيوبية لتمدد أجل الصراع أياماً أو أعواماً. أما القوات الأفريقية ـــــ الدولية فهي محدودة القوة، تنتظر التعزيزات ضمن وحدات «أميسوم»، التي باتت أقل شأناً بعد انسحاب القوات الإثيوبية في وقت سابق من هذا العام. انسحاب قوّى شوكة المعارضة، وفي مقدمها «الشباب المجاهدون». لكن حتى يحين موعد الحسم السراب، يعيش السكان مجاعة فعلية وسط عجز دولي عن تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة. بل إن مكاتب الأمم المتحدة نفسها في شرق ووسط الصومال تعرضت للنهب. مئات القتلى سقطوا، وانتشر مئات آلاف النازحين في كل اتجاه لينضم كثير منهم إلى 300 ألف نازح لا يزالون يقيمون في مخيم، بل بالأحرى «معتقل» ضخم، أقيم في صحراء كينيا منذ 1993. ولا يقدم المجتمع الدولي ما يسد رمق هؤلاء الممنوعين من الحركة خارج «المعتقل» أو مزاولة أي مهنة.

بان كي مون (الصورة)، إنه في الفصل الأول من هذا العام وقع 61 حادث قرصنة مقارنة بـ6 حوادث في الفترة نفسها من العام الماضي. وتمكن القراصنة من السيطرة على 29 سفينة. ثم ضاعفت الدول المتضررة دورياتها البحرية، ما حدا بالقراصنة إلى التوغل لمسافات أبعد، بحيث بلغوا سواحل سيشل مستخدمين «أساليب قتالية أكثر جرأة» و«أسلحة أكثر تطوراً» و«اتسمت العمليات بدرجة عالية من التنظيم».