بول الأشقربعد خمس سنوات من انقطاع الاجتماعات بينهما، وافقت كوبا رسمياً، أول من أمس، على اقتراح الولايات المتحدة قبل أسبوع بعودة التفاوض حول مسألة الهجرة، واقترحت تضمين جدول الأعمال مناقشة مسائل مكافحة المخدرات والإرهاب، إضافة إلى إعادة تشغيل خدمة البريد بين البلدين. خطوة رحبت بها وزارة الخارجية الأميركية، واعتبرتها «إيجابية»، عشيّة انطلاق أعمال الجمعية العامة لمنظمة الدول الأميركية في هندوراس اليوم، التي تشكّل مسألة عودة كوبا إليها، بعد غياب دام نحو نصف قرن، «عقدة» لم تتبلور بعد آليات تذليلها.
قبل شهرين، وصل النافذون في قمة الأميركيات إلى تسوية ضمنية بنقطتين لعدم إفشال الاجتماع الذي كان يمثّل طلّة إقليمية أولى للرئيس باراك أوباما: بدء مفاوضات مباشرة بين الولايات المتحدة وكوبا لخلافهما الثنائي، وعودة كوبا إلى المنظمة. وبالفعل بدأت مفاوضات تمهيدية على مستوى متدنّ بين مندوبين من كوبا ومن الولايات المتحدة للاتفاق على جدول أعمال لبدء عملية التفاوض.
ومع اقتراب موعد الجمعية العمومية الـ39 للمنظمة، التي ستنعقد بعد أيام في هندوراس، حيث تحدد آنذاك حل المسألة الثانية، لم يصل المجتمعون إلى اتفاق بين مسوّدة قرار تقدمت بها المضيفة هندوراس ومسوّدة أخرى تقدمت بها كوستاريكا الأقرب إلى الطروحات الأميركية. عندئذ، قدمت نيكاراغوا مسودة أخرى وكذلك دول الكاريب. وأمام احتقان الحوار، عُقد اتفاق شرف بسحب المشاريع المتباينة وتكثيف الجهود للوصول إلى توافق.
وأول من أمس، عقد اجتماع جديد انتهى بمأزق مماثل. وقد عرضت فيه ثلاثة مشاريع تتفق جميعها على هدف العودة، ولكنها تختلف على المسار للوصول إليها، وكما هو معلوم الشيطان يكمن في التفاصيل. تقدمت هندوراس بالمشروع الأول، وهو يكتفي بطلب إلغاء قرار طرد كوبا قبل نصف قرن، ويحيل مسار العودة إلى رغبة كوبا أولاً وإلى آليات تحددها الهيئات المختصة في المنظمة معها. والمشروع الثاني تقدمت به نيكاراغوا وهو يطالب بإلغاء القرار «لتصويب الظلم المرتكب بحق كوبا» بعد وصف قرار الطرد بـ«المجحف والمخالف لميثاق المنظمة والحق الدولي». ومشروع ثالث تقدمت به الولايات المتحدة، وهو إذ يطلب من المنظمة فتح حوار مع كوبا لعودتها ـــــ وهي سابقة ـــــ يرهن العودة بالتزام كوبا نصاً مرجعياً من نصوص المنظمة حول شروط الديموقراطية.
حصيلة جلسة التوافق تلك كانت تكثيف التفاوض في لجنة عمل، واقتراح «ألادي»، وهي منظمة إقليمية متخصصة بشؤون التعاون والتكامل تضم دول أميركا الجنوبية والمكسيك وكوبا، محاولة التقدم بمشروع قرار جديد.
وفيما يضيق هامش التفاوض، قالت الولايات المتحدة إنها «لن تذهب أبعد من موقفها الأخير»، فيما بدأت فنزويلا، التي اكتفت حتى الآن بتأييد موقف نيكاراغوا، تلمّح الى إمكان خروجها مع حلفائها من منظمة «لا ترى فيها فائدة ولا جدوى»، إذا فُرضت أي شرط على كوبا.
وقد بدأ الآن شد حبال بين إدارة أميركية تعمل على ذوبان بطيء للجليد في مقابل حد أدنى من التنازلات الكوبية لحفظ ماء الوجه، وبين قيادة كوبية تمارس التشكيك في المنظمة والحذر من الولايات المتحدة من دون إقفال الباب نهائياً مراعاةً لتنوّع مواقف داعميها وأيضاً لحشرتها الاقتصادية ولحاجتها إلى تكريس موقعها السياسي.
عند هذا الشطرنج الصامت، يتشابك بطء التقدم الحاصل على المستوى الثنائي بقصة عمرها نصف قرن، تتمد جذورها إلى انتصار الثورة الكوبية والإنزال المعادي لها في خليج الخنازير، وصولاً إلى جمعية عمومية عقدت عام 1962 في بونتا ديل إستي في الأوروغواي، وتمّ خلالها «تجميد عضوية كوبا لتناقض ماركسيتها اللينينية المعلنة مع مبادئ المنظمة».