معمر عطوييرى كثيرون أن محمود أحمدي نجاد رئيس فاشل على مستوى إدارة الأزمة الداخليّة، التي تصاعدت في عهده منذ انتخابه عام 2005، لدرجة وصلت معها نسبة التضخُّم إلى 25 في المئة. لكنه رغم ذلك لا يزال قادراً على استدرار عطف شعبه، الذي اعتاد زياراته للمناطق ودعمه لمشاريع اقتصادية صغيرة، وتوزيعه للأموال يمنة وشمالاً، من دون النظر إلى ما سبّبه ذلك من تضخّم في الجسم الاقتصادي، وارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع الأساسيّة.
لقد حاول الرجل، الذي لا يتجاوز عمره الـ 53 عاماً، أن يُجسّد وعوده لشعبه من خلال «توزيع عوائد النفط على الفقراء». لكنه بجهله للعبة الاقتصاد لم يُقدّر نتائج هذه الخطوات، مع أنه خلال فترة تولّيه منصب عمدة العاصمة طهران (2003ـــــ2005)، تمكّن من تحقيق نجاحات عديدة على مستوى المشاريع الخاصة بالبلديّة، التي كان يعمل فيها كأي موظّف، مرتدياً بزة العمل من دون أن يتلقّى أي أجر.
فوق هذا، هو شخص لا يقبل النقد من أحد ولا أحد يستطيع أيضاً في حكومته أن يتخذ قراراً مناقضاً لقراره، حسبما يصفه أحد أعضاء حكومته المُقالين.
ابن الحدّاد، الذي أخذ عن والده صخب المهنة ليُسقطه على فن الخطابة السياسية، يتميّز ببساطة مظهره وتقشّفه، ومعروف عنه تشدّده الديني ومباشرته في طرح الموقف السياسي من دون دبلوماسية أو مراعاة للمواقف الدوليّة.
هو الضابط الخارج من رحم الحرس الثوري، الذي حظي منذ البداية ليس فقط بدعم المرشد الأعلى بل أيضاً بدعم قوات الحرس الثوري، والتعبئة الشعبية «الباسيج». ما أسهم في نجاحه في الدورة الثانية من الانتخابات لعام 2005.

ما سبب هذه الإحاطة بالرئيس المتواضع؟

سؤال قد تكون الإجابة عنه في ملفّات ابن بلدة أردان (محافظة سمنان الشمالية)، التي تحمل صورة واضحة عن حامل دكتوراه «التخطيط الهندسي»، الذي خضع كليّاً لروايات دينية غيبية.
عوامل عديدة أسهمت في تكوين ذهنية الرجل الذي انتمى في بداية شبابه إلى تنظيم «الحجتيّين» المحظور، الذي أنشىء عام 1953، ويدعو إلى دفع العالم نحو نهايته من أجل الإسراع في عودة «المهدي المنتظر».
ورغم أنه من المتربّين في أحضان «الحجتيّين»، الذين لا يؤمنون بقيام الدولة الإسلاميّة قبل مجيء المهدي، فإنه كان من المتحمّسين للثورة قبل نجاحها. لقد حاول الدمج بين ما نشأ عليه من تعلّق بمقولة «الظهور» واجتهاد الإمام الخميني في التمهيد لهذا الظهور. فبعد تحقّق الثورة، بدأ نجاد مسيرته مع «الباسيج»، التي وجد فيها منطلقاً لتجسيد حلمه الغيبي بتحقيق بعض تعاليم الإسلام. وكان في البداية يقود مجموعات الطلّاب التي تخصّصت في مطاردة الطالبات غير المحجّبات ومنعهّن من دخول الجامعة. كما اتّهم بأداء دور كبير في التخطيط لاختطاف موظفي السفارة الأميركية في طهران.
تعرّض الرئيس، الذي يتبنّى أيديولوجية الفيلسوف آية الله محمد تقي مصباح اليزدي، لانتقادات كثيرة حتى من رجال دين وسياسيّين، ولا سيما بسبب تصريحاته عن دور الإمام المهدي في النجاحات التي توصّلت إليها إيران. إذ يرى أن «يد الإمام المهدي المنتظر تُرى بوضوح في إدارة جميع شؤون البلاد».
وفي موضوع التفاوض مع الغرب، يؤخَذ على نجاد عدم سلاسته أو تمتعه بدبلوماسية لبقة تميَّز بها الإيرانيون، لدرجة أن معارضيه يصفون خطابه بالاستفزازي.
منذ حملته الانتخابيّة الرئاسيّة، تولّى نجاد انتقاد سياسة سلفه محمد خاتمي في التفاوض والانفتاح على الغرب، وكان يقول آنذاك إن «أولئك الذين يتفاوضون يشعرون بالخوف ولا يعرفون الناس».
في المقابل، لم يمنعه تشدّده من التعاطي برحابة صدر مع منتقديه من الشباب الذين يوجّهون إليه رسائل لاذعة عبر مدوّنته. وأثناء زيارته في 24 أيلول 2007 إلى جامعة كولومبيا الأميركية في مدينة نيويورك، أبدى نجاد مرونة وضبط نفس هائلين في مقابل ما سمعه من انتقادات لاذعة من رئيس الجامعة، لي بولنغر، الذي وصفه أثناء تقديمه له بأنه «ديكتاتور وحشي، قاس وتافه».
مع ذلك، هو رئيس حالم بكل معنى الكلمة، تارة يتنبأ بزوال الكيان العبري وأخرى باقتلاع النظام الرأسمالي من الجذور، بينما يرى أن قوة إيران بلغت حداً لا يمكن أي قوة في العالم تهديدها، مدعيّاً أنها ستمضي حتى النهاية من أجل «القضاء على قيادة العالم الفاسدة».
ويبدو أن الانتقادات اللاذعة التي وجّهها الإصلاحيون والمعارضون إلى سياسته، لم تقف حائلاً بين الرئيس المحافظ والعمل على تحقيق ما وعد به شعبه من مفاجآت في الملف النووي، حتى باتت هذه المسيرة متألّقة في عهده. لدرجة أن المرشد الأعلى على خامنئي وصف البرنامج النووي الايراني بأنه «نجاح كبير».
بيد أن منتقديه لا يرون في ذلك نجاحاً، معتقدين أنه يتبنى سياسة خارجية تجعل الأولوية للشعارات على الدبلوماسية. وأن ذلك سبّب فرض الأمم المتحدة 3 قرارات من العقوبات الدولية على إيران.
رغم ما يُحكى عن فشله في السياسة الاقتصادية، كانت للرجل «إنجازات»، منها أنه قنّن البنزين ووفر على الخزينة من الهدر سنوياً بين 6 إلى 9 مليارات دولار، كما أنه بدّل اليورو بالدولار، موفّراً على بلاده الكثير من تأثيرات الأزمة الاقتصادية العالمية.