هي انتخابات تاريخية لم تشهدها إيران خلال العقود الثلاثة الماضية؛ فقد حطّم الإيرانيون هذه المرة أرقاماً قياسية، لجهة ارتفاع نسبة المشاركة التي تجاوزت 75 في المئة، وسط تنافس حادّ بين إصلاحيّين ومحافظين
طهران ــ محمد شمص
أفاد وزير الداخلية الإيراني، صادق محصولي، بأن نسبة المقترعين الذي شاركوا في انتخابات الرئاسة أمس، تجاوزت الـ75 في المئة. وقال «من أصل نحو 46 مليون ناخب يحق لهم الاقتراع، شهدت ساعات الصباح الأولى إقبالاً شعبياً كثيفاً وطوابير طويلة اصطفّت حتى قبل فتح أقلام الاقتراع»، ما دفع الوزارة إلى تمديد فترة الاقتراع ساعة إضافيّة. وأشارت مصادر صحافية إلى أن نسبة المشاركة في الأرياف والقرى النائية بلغت 90 في المئة، وهي تشكل 33 في المئة من أصوات الناخبين.
وكان المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، من أوائل المقترعين في طهران، حيث حذّر من أيّ توتر، لأنه يؤثر على الناخبين الذين دعاهم إلى المشاركة الكثيفة وعدم الالتفات إلى الشائعات.
أمّا الرئيس المرشّح للرئاسة، محمود أحمدي نجاد، فقد اقترع في المسجد الجامع شرق طهران وسط حشود مناصريه.
في المقابل، أعرب المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي، عن خشيته من تزوير الانتخابات والتلاعب بها، وتدخّل المؤسسة العسكرية المتمثلة بالحرس الثوري وقوات التعبئة «الباسيج»، واعترض على منع بعض مندوبيه من دخول أقلام الاقتراع. وأكد أنه سيؤلّف حكومة ائتلافية في حال فوزه، وأنه سيقبل بنتائج الانتخابات ويحترم إرادة الشعب أياً كان الفائز.
وكتب موسوي، في رسالة موجهة إلى المرشد، قائلاً «ثمة شهادات تفيد عن تدخّل عدد من القادة والمسؤولين في الحرس الثوري والباسيج في الانتخابات». إلا أن الحرس الثوري ردّ طالباً من موسوي إبراز «أدلة على مزاعمه» أو «تقديم اعتذارات إلى الناس والحرس الثوري والباسيج»، حسبما أوردت وكالة «فارس» للأنباء.
كذلك ردّ رئيس مجلس صيانة الدستور (الهيئة المشرفة على الانتخابات)، آية الله أحمد جنتي، بقوله إن «الذين يسوّقون لفكرة احتمال التزوير في الانتخابات هم أولئك الذين يشعرون بأن الحظ لن يحالفهم»، مشدداً على أن المجلس على مسافة واحدة من جميع المرشّحين، ولن يسمح بأي عملية تلاعب بأصوات الناخبين وسيواجه أي مخالفة قانونية بشدة.
من جهتها، رفضت وزارة الداخلية وجود أي لجنة ثانية مستقلة دعا الإصلاحيون الى تشكيلها «للإشراف على نزاهة العملية الانتخابية». وقالت في بيان «رقم ثلاثة» إن «هذه المهمة هي على عاتق مجلس صيانة الدستور، الجهة القانونية الوحيدة المخوّلة حماية أصوات الناخبين، والإشراف على الانتخابات، ولن تسمح وزارة الداخلية بتدخّل أيّ لجنة أو طرف ثانٍ في أداء مهامها وواجباتها».
كذلك نفت الوزارة الشائعات التي تتحدّث عن وجود أقلام يجفّ حبرها بعد دقائق، بيد أنها نصحت الناخبين بالاستفادة من أقلامهم الخاصة. وتسري بين الإيرانيّين شائعات عبر وسائل عديدة، أبرزها الرسائل القصيرة، ومنها أن خامنئي لم يكن راضياً عن اتهامات نجاد لرئيس مجلس الخبراء، علي أكبر هاشمي رفسنجاني وحلفائه، بالفساد. لكن مصادر مطّلعة أكدت أن خامنئي لم يردّ أساساً على رسالة رفسنجاني.
وكان لافتاً خروج خليفة الإمام الخميني الأسبق، الذي أقيل من منصبه وخضع للإقامة الجبرية لسنوات طويلة، آية الله حسين منتظري، من عزلته والمشاركة في الانتخابات.
ويبدو أن الإصلاحيّين نجحوا في تحريك الشريحة الصامتة والرمادية من الناخبين ودفعها للمشاركة في الانتخابات، ما جعل فرص موسوي للفوز أكبر وشبه أكيدة، ما لم تقع مفاجآت ومعجزة لمصلحة نجاد.
ويقول مقرّبون من موسوي بثقة تامّة إنه سيفوز في الجولة الأولى. وذلك خلافاً لتوقّعات المرشّح الوسطي القائد السابق للحرس الثوري، محسن رضائي، الذي يعتقد بأن الانتخابات ستنتقل إلى دورة ثانية. وأفادت معلومات بأن كروبي وعد موسوي، خلال لقاء جمعهما، بتعاونه معه، لكن في الجولة الثانية، رغم أن محاولات موسوي لم تنجح لثنيه أو إقناعه بالانسحاب وتجيير أصوات ناخبيه لمصلحته وذلك ضماناً لفوز كاسح للإصلاحيين.
من جهتهم، حذّر المحافظون من الفتنة والتوتر بعد إعلان النتائج المرتقبة يوم غد الأحد.
من جهة ثانية، أكد إمام جمعة طهران المؤقت، آية الله امامي كاشاني، أن «أعين الأعداء بكل إعلامهم متجهة اليوم نحو إيران، لأنهم يرغبون في العثور على نقطة ضعف ليقولوا إن الجماهير لم تشارك في الانتخابات، لذلك فإن المشاركة الشعبية الواسعة هي رد على الأعداء وخدمة للإسلام وإحياء له».
وأكد إمام جمعة طهران المؤقت أن «أي شخص يحرز غالبية الأصوات وينتخب رئيساً للجمهورية، فإنه سيكون رئيساً لكل الشعب الإيراني، وإن احترامه واجب على الجميع، ولا بد من نسيان الأقاويل التي طرحت هنا وهناك خلال الحملات الانتخابية».
بدوره، قال الأمين العام لـ«جمعية مضحّي الثورة الإسلامية»، حسين فدائي، إن «الخاسرين في الانتخابات (في إشارة إلى الإصلاحيين)، يتهيّأون لإيجاد القلاقل والاضطرابات في البلاد ويسعون إلى الإيحاء للناس بأن أصواتهم تمّ تغييبها والتلاعب بها».
وحذّر عضو لجنة الأمن والسياسة الخارجية في مجلس الشورى، النائب غلام رضا كرمي، من «وقوع أحداث دراماتيكية بعد إعلان النتائج، بهدف إيجاد اضطرابات على غرار ما حصل في لبنان عام 2005 باغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري».
من جهته، دعا عضو مجلس الخبراء، آية الله أحمد خاتمي، كل الأجنحة السياسية إلى القبول بنتائج الانتخابات كما هي. وانتقد بشدة اللجنة التي شكّلها الإصلاحيون تحت اسم (لجنة حماية أصوات الناخبين)، معتبراً أنها مخالفة مضاعفة بهدف التشكيك بعمل الهيئة القانونية المشرفة على الانتخابات.
وفي السياق، أكد وزير الأمن الإيراني، غلام حسين إجائي، أنه «سيتمّ التصدي لكل من يحاول الإخلال بأمن البلاد والنظام العام خلال الانتخابات».