وضعت الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة، الجمهوريّة الإسلامية أمام مفترق طرق صعب، في ظل الاضطرابات التي وصلت إلى حدّ سقوط قتلى، فيما لم تفلح جهود المرشد الأعلى في تهدئة الأوضاع
طهران ــ محمد شمص
قُتل متظاهر إيراني بالرصاص، أمس، وأصيب آخرون، مع انتهاء تظاهرة في طهران جمعت مئات آلاف الأشخاص، احتجاجاً على إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد. ونقلت وكالة «فرانس برس» عن شهود عيان قولهم إنه لدى انتهاء التظاهرة، فتح رجال باللباس المدني النار على متظاهرين وأصابوا عدداً منهم. وأضافت أن مواجهات اندلعت مساء أمس، في طهران، بين عناصر من الشرطة ومحتجين. وسمع أيضاً إطلاق نار مع انتهاء التظاهرة المؤيدة للمرشح مير حسين موسوي. وتم على الاقل إحراق ثلاث دراجات نارية.
وعمدت القوى الأمنية من جهتها إلى إطلاق الغاز المسيّل للدموع لتفريق الحشود التي بدأت منذ الصباح بالتجمع في ساحة «آزاد» (الحرية)، متحدّية قرار السلطات بحظر التظاهرة، التي دعا إليها موسوي أول من أمس. وشارك كل من موسوي والأمين العام لحزب «اعتماد مللي» الإصلاحي الشيخ مهدي كروبي، الذي خلع لباس رجل الدين، وسط مواكبة عناصر أمن باللباس المدني.
وكانت الشرطة قد فرّقت نحو مئتي شخص كانوا يطالبون بإطلاق أقاربهم وأبنائهم الذين اعتقلتهم السلطات الإيرانية في سجن إيفين في طهران خلال الاضطرابات التي تلت إعلان فوز نجاد بولاية ثانية، وذلك أمام المحكمة الثورية المعنية بمعالجة المسائل المتعلقة بـ«المساس بالأمن القومي».
وقال موسوي إنه مستعد للمشاركة في انتخابات جديدة، معلناً أمام عشرات الآلاف من أنصاره أن «صوت الناس أكثر أهمية من موسوي أو أي شخص آخر». وكان المرشح الإصلاحي قد تراجع عن دعوته إلى التظاهر، في جادة آزادي بعدما رفضت وزارة الداخلية السماح بذلك، لكنه عاد وأعلن أنه سيشارك فيها للدعوة إلى الهدوء.
وأكدت زوجة موسوي، زهرة راهنيفارد، لوكالة «فرانس برس»، أنهم «ماضون حتى النهاية» في رفض إعادة انتخاب نجاد.
هذا التوتر سبقته مناخات إيجابية سادت لدى الإصلاحيين، بعد استقبال آية الله خامنئي لموسوي، الذي وصف اللقاء بالودّي والأخوي. وأفادت المعلومات بأن خامنئي وعد موسوي بتشكيل لجنة تحقيق للتدقيق في عمليات فرز الأصوات، طالباً منه تقديم الأدلة والبراهين في حال وجودها بحوزته. ودعا المرشد الأعلى للجمهوريّة الإسلامية مجلس صيانة الدستور إلى النظر بجدية في الطعون التي يتقدم بها المعترضون على النتائج والتدقيق بها. وقال لموسوي «يجدر بك ملاحقة المسألة بالطرق القانونية».
وبناءً على توجيهات خامنئي، أصدر أمين مجلس صيانة الدستور، آية الله أحمد جنتي، بياناً دعا فيه المرشحين إلى تقديم شكاواهم الموثقة بأسرع وقت من أجل دراستها.
ونقلت محطة «برس تي في» عن المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور، عباس علي كدخدائي، قوله إن المجلس تلقى شكويين من المرشحين الخاسرين مير حسين موسوي ومحسن علي رضائي.
وقال كدخدائي، إن المجلس، الموكل بمراقبة العملية الانتخابية، سينظر في الشكويين ويعلن قراره النهائي في غضون 10 أيام.
وكان كدخدائي قد دعا المرشحين إلى اجتماع فوري في المجلس اليوم الثلاثاء، للاستماع إلى اعتراضاتهم وتوضيح الآليات المتبعة في كيفية معالجة المجلس للشكاوى.
في هذه الأثناء، اعتبر الرئيس الإصلاحي السابق، محمد خاتمي، أن عدم السماح للمحتجّين بالتظاهر يخالف مصلحة النظام وحق الشعب الإيراني. ورأى أن «تجاهل هذا الحق والتصدي بعنف للمواطنين يتعارض مع مبادئ الثورة والنهج الواضح للإمام (الخميني) ولن يحل هذا الأسلوب أي مشكلة في البلاد».
ودعا خاتمي أنصار موسوي إلى «التعبير عن احتجاجهم عبر الوسائل السلمية وعدم انتهاك القانون والمحافظة على الهدوء كي لا يعطوا ذريعة للذين يضمرون السوء ولدعاة العنف».
في المقابل، كشفت مصادر نيابية أن الإصلاحيين كانوا يتهيّأون لتنفيذ عصيان مدني شامل في كل إيران، كخطوة ثانية بعد النزول إلى الشارع. وأضاف النائب المحافظ حميد رسائي أن «مرشحيهم كانوا يعلمون مسبقاً بأنهم لن يفوزوا في الانتخابات الرئاسية، فاستعدوا للعصيان المدني بالتنسيق مع وسائل إعلام أجنبية»، في إشارة ضمنية إلى قناة «بي بي سي» و«صوت أميركا» الناطقتين باللغة الفارسية، واللتين تبنّتا تغطية شاملة للاحتجاجات ومواقف الإصلاحيين.
وفي السياق، يقوم رئيس مجلس الخبراء، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، بجولة على العلماء والمراجع في الحوزة الدينية في مدينة قم، بهدف كسب الدعم والتأييد، حسبما ذكرت مصادر محافظة، فيما دعا أكثر من 220 تجمعاً واتحاداً طلابياً المدّعي العام في إيران إلى الإسراع في فتح ملف شقيق الشيخ رفسنجاني، مهدي هاشمي، وملفات «كل المفاسد الاقتصادية أمام القضاء والاقتصاص من المفسدين».


تظاهرات احتجاج في دبي

تظاهر أكثر من مئتي إيراني، أمس، أمام القنصلية الإيرانية في دبي، حيث القانون يمنع التظاهر، احتجاجاً على نتائج الانتخابات الإيرانية، التي أعلن فيها رسمياً فوز الرئيس محمود أحمدي نجاد.
وتجمّع المتظاهرون لمدة ساعتين أمام القنصلية الإيرانية وأطلقوا هتافات وصفوا فيها نجاد بأنه «دكتاتور»، واتّهموه بتزوير نتائج الانتخابات التي نظّمت الجمعة. وردّد المتظاهرون «أين ذهب صوتي؟». وأكد عدد كبير منهم أنهم اقترعوا للإصلاحي مير حسين موسوي، الذي خسر أمام نجاد. وقال المهندس المعماري علي (32 عاماً)، الذي كان يضع قناعاً على وجهه، شأنه شأن غالبية المتظاهرين، «أرى أن صوتي لم يحترم، والانتخابات كانت مزوّرة تماماً»، مضيفاً «أن نجاد غبيّ. إنه دكتاتور غير مثقف».
وقالت المهندسة نسيم (32 عاماً) «نريد أن نقول للعالم إننا لسنا أغبياء. الرجاء لا تعتقدوا أننا على صورة حكومتنا».
وقالت نزانيم (20 عاماً) «لقد صدمنا جميعاً» بالنتائج. وأضافت «كان يجب أن يربح أي شخص غير نجاد. نريد شخصاً آخر».
وسارعت فرقة تابعة لشرطة دبي متخصصة في مكافحة الشغب إلى الانتشار في المكان، وطلبت من المتظاهرين التفرق، إذ إن تجمعهم غير شرعي.
وتفيد مصادر من القنصلية الإيرانية بأن عدد الإيرانيين في الإمارات العربية، يقدّر بأكثر من 400 ألف، وهم بالتالي ثاني أكبر الجاليات الإيرانية في العالم بعد الولايات المتحدة، إلا أن السلطات الإماراتية أكدت أن عدد الإيرانيين في الإمارات هو بحدود 110 آلاف شخص.
(أ ف ب)