تبدو باريس، في تعليقها على أحداث إيران ما بعد الانتخابات، حذرة؛ من جهة لا تريد دعم المرشح الإصلاحي، ومن ناحية أخرى تدرك أنّ الرئيس محمود أحمدي نجاد هو الأقوى، لكن ليس بالحجم الذي تحدثت عنه الأرقام
باريس ــ بسّام الطيارة
كلّما مرّ وقت على بقاء معارضي الرئيس محمود أحمدي نجاد في الشوارع، زادت الانتقادات الأوروبية لنتائج الانتخابات. فبعد تساؤل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن «ضرورة معرفة ما حصل»، ووصفه التحركات في الشوارع بأنها «مأساة» لا بل «صدمة» لأنّ «ردة الفعل العنيفة تعكس حجم التزوير»، جاء دور وزيرة شؤون حقوق الإنسان راما ياد لتتوقع أن تكون الساعات المقبلة «مصيرية». وأعربت ياد عن قلق باريس «تجاه الوضع في إيران»، متشكّكة في النتائج، لأن منافسي نجاد حصلوا على «أقل مما يمثّلوه في المجتمع»، في ظل «غياب المراقبين الدوليين الذي يمنع التأكّد من النتائج».
وسرعان ما استدركت ياد كلامها، معترفة بأنّ نجاد «يتمتع بشعبية كبيرة خارج طهران»، ومتبنّية ما يُهمس به في الدوائر الفرنسية من أن نجاح الرئيس «كان متوقعاً بنسبة تتجاوز بقليل خمسين في المئة». ووصفت الوزيرة النظام الإيراني بأنه سلطوي ينطوي على «ثلاثة توجهات: إصلاحي ومحافظ ومتشدد»، لافتة إلى أنّ «القول إن (المرشح الإصلاحي محمد مير) موسوي مقرّب من الغرب لا يخدمه بتاتاً». وختمت ياد تعليقها الإيراني بالتشديد على أنّ العالم «يعيش ساعات مصيرية»، محذرة من أن «الاستقرار في إيران ضروري جداً، لأن هذا البلد يملك برنامجاً نووياً».
بدوره، كشف المتحدث باسم وزارة الخارجية إريك شوفالييه عن أنّ السلطات الإيرانية قد استدعت فعلاً السفير الفرنسي لدى طهران برنار بوليتي. ووفق شوفالييه، فإنّ بوليتي «أعاد التذكير بقلق باريس تجاه الوضع الحالي»، مبدياً استغرابه للاحتجاجات الإيرانية حيال تصريحات المسؤولين الفرنسيين». وأشار شوفالييه إلى أن «هذه التصريحات تعكس ما يقوله عدد من المرشحين وقسم كبير من المجتمع الإيراني نفسه»، وتتوافق مع تصريحات عدد كبير من شركائنا في الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي، وهي تتعلق بـ«صدقية العملية الانتخابية والعنف الذي يواجَه به المتظاهرون وقمع الحريات الصحافية». ويرى مراقبون في باريس أنّ «المقاربة الحذرة» للدبلوماسية الفرنسية لما يحصل في طهران تنبع من «معرفة دوائر القرار» بأن انتصار نجاد «لا غبار عليه، حتى ولو حصل تلاعب بسيط، نتيجة حماسة مؤيّديه الذين يمسكون بحبل السلطة».
غير أنّ حجم التظاهرات التي نزلت إلى الشوارع «حتى قبل إعلان النتائج»، دفعت بعدد من المعلّقين والمتخصصين في الشؤون الإيرانية إلى الاعتقاد بأن الوقائع تتجاوز المعطيات التي تمتلكها العواصم الأوروبية. ويفسر هذا الكلام الناعم عدم التحدث عن «انقلاب»، بل عن «تلاعب في ثقة الناخبين»، كما فُسّر كلام ساركوزي حين علّق على العنف الذي يواجه به المتظاهرون بالقول إنه «لم يسبق أن شهدنا فريقاً يحقق فوزاً كبيراً مثل هذا».