معمر عطوييبدو أن ما يجري في إيران على خلفيّة قضية تزوير في الانتخابات الرئاسية، يخفي خلفه صراعاً قديماً حامياً على السلطة، أحد طرفيه تحالف هجين يجمع ثلاثة تيارات: الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني، بما يملكه من قدرات مالية ونفوذ سياسي يتمثّل في رئاسته لكل من مجلس خبراء القيادة ومجلس تشخيص مصلحة النظام. وبعض المؤسسة الدينية بما تملكه من ثقل روحي ومعنوي، ولا سيما أن بعض رجالاتها أعضاء في مجلس الخبراء ويعملون بإمرة رفسنجاني. والإصلاحيون بقيادة أكبر أحزابهم «حزب المشاركة»، الذي يرأسه محمد رضا خاتمي، زوج ابنة الإمام الخميني، زهراء اشراقي، والمدعوم من الرئيس السابق محمد خاتمي.
أمّا رئيس الحكومة الأسبق مير حسين موسوي، الذي ارتدى عباءة الإصلاحيّين، «رغم إرادته»، فهو يبقى بحسب مصدر وثيق الصلة بما يجري على الساحة الإيرانية «أحد رجالات الثورة المخلصين وهو أكثر أصوليّة من (الرئيس محمود أحمدي) نجاد» لجهة الالتزام الديني والإيمان بولاية الفقيه. ويؤكد المصدر نفسه أن موسوي لا يعتبر نفسه إصلاحياً، ولم يكن على علاقة طيبة مع خاتمي في السنوات الثلاث من ولايتي الأخير (1979-2005)، رغم أنه عمل لديه مستشاراً.
وفي رأي المصدر المطّلع، فإن ظهور موسوي المفاجئ على الساحة السياسية، بعد غياب دام نحو عشرين عاماً، كان نتيجة اصطفافات جديدة، جعلت من الفنان الذي كان مقتنعاً بعمله كرسّام وأستاذ جامعي، ضحية صراع حاد بين جبهة تضم الرئيسين السابقين رفسنجاني وخاتمي وبين أخرى تضم المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس نجاد.
صراع بدأ منذ وصول نجاد إلى السلطة في عام 2005، متغلّباً على رفسنجاني ورئيس حزب «الثقة الوطنية»، رئيس البرلمان الأسبق مهدي كروبي. وتطور مع مضي الرئيس المحافظ في تحدّي «الإقطاعين المالي والديني» في إيران، وصولاً بالطبع إلى المناظرات التلفزيونية غير المسبوقة بين المرشّحين للرئاسة الإيرانية، وما تضمّنته من اتهامات متبادلة كان أعنفها اتّهام نجاد لرفسنجاني وعائلته بالفساد. اتّهامات وجد فيها موسوي تقاطعاً مع رفسنجاني، إذ طالت زوجته زهراء رهنفرد، بحصولها على درجة دكتوراه مزوّرة.
بيت القصيد في هذا التحالف، الذي يؤكد المصدر المطّلع أن موسوي اشترط على الإصلاحيّين القيام به «بلا شروط ولا وعود»، هو شعور رفسنجاني بتهديد مصالحه من حكومة نجاد، التي لعبت ورقة الفقراء والمناطق المحرومة والمهمّشة من إيران ضد الإقطاع المالي والفساد المتغلغل في المؤسسة الدينية، من خلال تفكيك مراكز نفوذ رفسنجاني والفئة المتنفذة في البلاد.
ويوضح المصدر أن نجاد، هو بالفعل رجل زاهد على غرار موسوي، وهو بنفس القدر الذي يتمسك فيه بتعاليم الثورة الخمينيّة وولاية الفقيه، يحاول تصحيح الخلل الحاصل في الحوزة الدينية، التي تورّط بعضها في لعبة الإصلاحيين، من خلال نفوذ رفسنجاني داخل الحوزة، بعدما نجح في خلق حالة معارضة لخامنئي بين رجال الدين.
إذاً المعركة في إيران الآن هي بين الرئيس المحافظ، مدعوماً من خامنئي، حيث يقوم بخطة «تغييرية» في النظام المالي والديني، وبين الإصلاحيين، مدعومين بقوة من رفسنجاني وبعض أركان المؤسسة الدينية التقليدية.
ويرى المصدر المطّلع أن موسوي «متورط في لعبة هو بعيد عنها. هو إنسان بسيط زاهد لا يريد شيئاً سوى تحقيق التغيير المنشود في ظل مبادئ الثورة وتعليمات مؤسسها الخميني». لذلك «لا يمكن اتهام الرجل بالعمالة للغرب أو بالتحرك بدافع من استخبارات خارجية»، كما يُتّهم من بعض دوائر المحافظين.
بل هو بنظر الغرب «أكثر تشدداً من نجاد». ومن الصعب أن يتنازل في أي من الملفات التي يريد الغرب للرئيس الجديد أن يزحزحها عن ثوابتها، معتبراً أنه إذا كان هناك من تدخّل غربي فهو يأتي عبر أطراف إصلاحية، أو من خلال الإعلام «كما هو حاصل».
فرئيس الحكومة الأسبق، الذي نجح في إدارة شؤون البلاد إبان الحرب العراقية الإيرانية (1980ــ 1988)، كان الخيار الأفضل في نظر خاتمي «لمواجهة نجاد ولكونه قادراً على الوقوف في وجه خامنئي»، بعدما أدرك الرئيس السابق ومن خلفه رفسنجاني أن قوة نجاد تحتاج إلى شخص غير ملوّث بالفساد أو بتجارب أضرّت بالثورة ومقدّراتها.
ولمعرفة مدى أهمية رفسنجاني وخامنئي على الساحة الإيرانية، لا بد من العودة إلى كلام نُقل عن مؤسس الثورة الإمام الخميني قبيل وفاته، حين أوصى بأن تبقى العلاقة بين الرجلين وابنه أحمد، وديّة ومتينة على اعتبار أن اتفاق هذا الثلاثي، يؤمّن استقرار الجمهورية الإسلامية. وبذلك وضع الخميني ثقته في هذين القطبين المتصارعين للحفاظ على منجزات الثورة. قطبان جمعتهما علاقة ودّ يبدو أن فساد السلطة والمال كاد أن يصيبها مقتلاً.