أحسنت المعارضة الإيرانية في الداخل، كما في الخارج، استخدام لعبة مواقع التواصل الاجتماعية، وتحديداً «التويتر» و«اليوتيوب» و«الفايس بوك»، لكسر حاجز التعتيم السلطوي وتعميم روايتها الخاصة لمجريات الأزمة الحالية في إيران
جمانة فرحات
خلال الثورة الإسلامية في عام 1979 لجأ الإمام الخميني إلى مخاطبة أنصاره من طريق تسجيل الخطب وتوزيعها عبر أشرطة الكاسيت، إدراكاً منه لقدرتها على تحريك الشارع، واليوم عاد التاريخ ليكرر نفسه في إيران، وإن بوسائل أكثر تطوراً وخطورةً. فقد جاء دور الإنترنت والشبكات الاجتماعية لتمثّل اللاعب الأبرز، وعامل تفوق تستخدمه المعارضة الإيرانية في وجه السلطة للاحتجاج على نتائج الانتخابات الرئاسية، وفرض وجهة نظرها عن الإضرابات التي تحدث في البلاد. واستطاع معارضو النظام في الداخل والخارج بحنكةٍ أن يفرضوا سيطرتهم على أبرز هذه الشبكات المتمثلة في مواقع «الفايس بوك» و«يوتيوب» و«فليكر» و«تويتر»، وطوقوا أنصار الرئيس محمود أحمدي نجاد لمنعهم من إبداء آرائهم وعرض وجهة نظرهم في الأحداث، بعدما عمدوا إلى نشر لائحة بأسماء المستخدمين الذين يعتقدون أنهم من أنصار السلطة وقاموا بحظرهم.
وبعدما حجبت السلطات الإيرانية الشبكة الاجتماعية الأكثر رواجاً «الفايس بوك»، التي تضم أكثر من 150 ألف مستخدم إيراني، وجد المعارضون الإيرانيون، الذين تقدر الإحصاءات أن أكثر من 23 مليون شخص منهم يستخدمون الإنترنت، في مواقع «تويتر» و«فليكر» و«يوتيوب» ضالتهم لـ«تغطية» الأحداث يومياً، تكون بديلاً للإعلام المرئي، الذي حدّت القيود المفروضة من السلطة من قدرته على نقل الأحداث. وشهدت صفحات «تويتر»، الذي يتميز بالقدرة على نقل الرسائل بسرعة فائقة، حوارات على مدار الساعة بين المعارضين الإيرانيين في الداخل والخارج، لشرح ما يقولون إنه يحدث في شوارع طهران. وبذلك لم يكن من الصعب معرفة كل تفاصيل وفاة الفتاة الإيرانية ندا آغا سلطاني. كذلك مثّل «تويتر» المنفذ الذي دعا من خلاله المتظاهرون إلى عدم التقاط صور تظهر وجوههم بوضوح خوفاً من تعرضهم لخطر الاعتقال.
ومن الموقع أيضاً انطلقت التحذيرات للحد من استعمال الرسائل النصية القصيرة «اس ام اس» واستعمالها فقط عند الضرورة وبالرموز لتفادي الاعتقال. كذلك دشن الإيرانيون موقع «لماذا نتظاهر؟» على «تويتر» لشرح الأسباب التي تدفعهم إلى النزول إلى الشوارع. ولذلك أيضاً لم يكن مستغرباً أن تتدخل وزارة الخارجية الأميركية لدى إدارة الموقع لتأجيل إغلاقه بغرض الصيانة لمدة يوم، قائلة: «تويتر في هذه اللحظة يؤدي دوراً مهماً في كونه أداة اتصال بين إيران والعالم الخارجي».
أما موقع «يوتيوب»، فقد خصصه الإيرانيون لتحميل المقاطع المصورة للمواجهات بين المتظاهرين وقوات الشرطة الإيرانية، وقد وصلت المشاهدات لأحد المقاطع إلى أكثر من 450 ألف مشاهدة. وكذلك برز موقع «all voice.Com» الذي خصص قسماً مليئاً بالصور ومقاطع الفيديو لأحداث إيران.
في المقابل، امتاز موقع «فليكر» من خلال توفيره الفرصة لأنصار المعارضة الإيرانية بتحميل الصور من الشارع الإيراني، وأغلبها لمصورين هواة، إضافة إلى عرضه صور التظاهرات التي ينظمها الإيرانيون حول العالم.
وعلى الرغم مما تعرّض له موقع «فايس بوك» من تعطيل السلطات الإيرانية له، فقد كان المصدر الأول للمعارضة الإيرانية، حيث عمد أنصار المرشح الخاسر مير حسين موسوي إلى طرح شعار «أين صوتي؟» على صفحاته، وعمدوا كذلك إلى إنشاء المجموعات التي تظهر المخالفات التي يقولون إنها ارتكبت خلال يوم الاقتراع، فضلاً عن مجموعات مخصصة لدعم موسوي بلغ عدد المنتسبين إليها أكثر من 100 ألف شخص، فيما بلغ عدد المنتسبين إلى مجموعة «أحب ايران» أكثر من 65 ألف شخص.
وليس بعيداً عن هذه الشبكات برزت أيضاً المدونات، وفي مقدمتها «إيران بعد الانتخابات»، و«طهران مباشر»، ومدونة «الطريق الثوري». وعن هذه الظاهرة، يقول المدوّن لمجلة «فورين بوليسي»، إيفغيني موروزوف، إن المهمة الأساسية لـ«تويتر» وغيره من المنتديات «ليست في التحضير للتظاهرات، لأن الاحتجاج نادراً ما ينجح إذا كانت الحكومة لديها القدرة على رصده من البداية، وبالتالي فإن الشباب الإيراني قد يضر بفعاليتها إذا اعتمد هذه الطريقة». ويضيف: «بالتأكيد إن ما يحدث هو أن تويتر يستخدم للدعاية للاحتجاجات التي هي بالفعل جارية، ولفت انتباه العالم إلى أعمال العنف التي يرتكبها النظام».
هكذا مثّلت وسائط الشبكة العنكبوتية صلة الوسط والمحرك الأول لنشاطات المعارضة الإيرانية متخطيةً الحصار الإعلامي المفروض عليها من السلطة، التي يبدو أنها تشن معركة خاسرة لاحتواء الآثار الخطرة لوسائل الاتصال الحديثة.