باريس ــ بسّام الطيارةيتحلّق الفرنسيون كل صباح حول فنجان قهوة وكرواسان في المقاهي قبل التوجّه إلى عملهم أو إلى مراكز البطالة بالنسبة إلى العاطلين من العمل. وتعكس الأحاديث التي يتناولها الزبائن اهتماماتهم اليومية، والحدث الأهم الذي تعرفه فرنسا أو العالم إذا سلّطت وسائل الإعلام أضواءها عليه.
وفي الأيام الأخيرة من ربيع أيار، وقبل أن يأتي موسم الحديث عن العطلة الصيفية وتكاليفها، يتمحور الحديث حول «الورقة»، سواء في المقاهي أو في الأحياء الغنية من وسط العاصمة باريس وغربها، تدور الأسئلة والأحاديث عن «الورقة»، وتبدأ دائماً بتنهّد وبجملة قصيرة لفتح الحديث إما بشكل جازم: «أخيراً أنهيت الورقة»، أو بطريقة استفهامية: «هل أنهيت الورقة؟».
ويبدو هذا الحديث غير واضح بالنسبة إلى أيّ «غريب» أو أجنبي، فهو لا يفهم عما يتحدث الفرنسيون، ويردعه الإجماع عن السؤال عما تحمله هذه «الورقة». يتحدث الجميع عن «إضبارة الدخل» لمعرفة قيمة الضريبة المستحقّة على كل مكلّف. إضبارة يتحتم على كل مقيم في فرنسا تعبئتها وإرسالها «قبل الثاني من شهر حزيران في منتصف الليل».
وكانت السلطات الضريبية قد أرسلت إلى المواطنين بالبريد، «ملفاً ضريبياً» يتضمّن إضبارة للتعبئة مع تعليمات عن الخفوضات أو الزيادات التي أُقرّت وحالات الإعفاء وما شابه. كما يتضمّن هذا الملف تفاصيل عن «استعمال الدولة للضرائب» مع بيانات تشير إلى النسب المخصصة في الموازنة الحكومية لكل المجالات؛ نرى مثلاً أن باب المصاريف العامة بلغ في السنة الضريبية الماضية، 370.4 مليار يورو، خُصِّص منها ٨٤ مليار يورو للتعليم، و٥٤ مليار لإنشاءات الأساسية و٤٤ مليار يورو لخدمة الدين، بينما حلّ الدفاع والشؤون العسكرية في المرتبة الرابعة بـ ٣٧ مليار يورو.
كما تبيّن رسالة مصلحة الضرائب، مصادر مداخيل الدولة، إذ تأتي الرسوم على القيمة المضافة في المرتبة الأولى، بحيث تؤمن ١٢٦ مليار يورو، بينما تُدخل ضريبة الدخل على الأفراد، ٥٠ مليار يورو على الخزينة، وضريبة أرباح الشركات، ٣٧ مليار يورو.
ويحمل الكشف عن هذه الأرقام «رسالة خاصة» تدلّ إن لزم الأمر على وجود «عقد» بين الدولة والمواطن مفاده أن هناك «محاسبة» بالمعنى التعاقدي بينهما، وأن على مصلحة الضرائب تبرير وكشف وجهة استعمالات المبالغ التي تجبيها.
قد يكون التهرب الضرائبي «رياضة وطنية» في فرنسا، إلا أن معظم الفرنسيين، ورغم تململهم إزاء الضرائب المفروضة، يعترفون بأن «دفعها واجب» لأنهم يتلمّسون ما تفعله الدولة بهذه الأموال. قد يحتجّ الفرنسيون على نسبها العالية مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى، ولكن لا أحد منهم يشكك في صحة مبدأ الضريبة التي تمثّل «لبِنة بناء الوطن».