أرنست خوريتختلف زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى تركيا، التي بدأها من أنقرة ليل أمس، ويغادرها من اسطنبول غداً، عن كل الزيارات التي قام بها الرئيس الأسود منذ وصوله إلى البيت الأبيض. كُتب الكثير عن اختيار أوباما لتركيا كأول دولة إسلامية يزورها بما أنّ الزيارة معلن عنها منذ أكثر من أسبوعين.
ينتظر أوباما كماً هائلاً من الملفات ليناقشها مع نظيره عبد الله غول ورئيس الحكومة رجب طيب أردوغان. لكن الجميع يعرف أنّ الرجل لن يناقش سوى العناوين العريضة وسيترك التفاصيل لمساعديه ولما يحصل عادة في العلاقات الدولية، خلف كواليس الإعلام ومنابره.
اللافت أنّ صحف تركيا، معارضة وموالاة، أجمعت على عدم الخوض في الملفات الساخنة، وحصرت اهتمامها بالنواحي التقنية والرمزية التي تحملها الزيارة التاريخية. رمزية ليست دائماً إيجابية. فعلى سبيل المثال، اختصرت صحيفة «حرييت» المعارضة اختيار أوباما لتركيا كأول دولة إسلامية يزورها، بحقيقة أنّ هذا البلد سجّل واحدة من أكثر الدول التي انتشر فيها «الكره للأميركيين» في العالم على مدى العقد الماضي. وأوباما، الذي اعتاد ملاقاة المعجبين به كـ«ظاهرة معولمة» في عواصم الشرق والغرب، استقبلته أمس تظاهرات بالمئات من 3 تيارات: إسلاميون ويساريون وقوميون. ملاحظة ليست تفصيلية. فالمنظمون الذي جنّدوا نحو 20 ألف شرطي وجندي بدبّاباتهم وطوافاتهم لحمايته، اضطروا إلى نقل إقامة ضيفهم الـVIP من فندق «هيلتون»، إلى فندق «شيراتون»، لأنّ موظفي وعمال الفندق الأول رفضوا خدمة الرئيس الذي «يستغل عمال العالم وكادحيه».
واختلفت أسباب المتظاهرين بحسب هويتهم: اليسا ريون نزلوا إلى الشارع لرفض استقبال زعيم الإمبريالية العالمية، ولرفض السماح بانسحاب القوات الأميركية من العراق عبر الأراضي التركية. بدورهم، تظاهر القوميون لأنهم متخوفون من تشجيع أميركا لانفصال كردي في تركيا يوماً ما. أما الإسلاميون، فلأنهم لم ينسوا مجزرة غزة بعد، ولم يهضموا صمت أوباما إزاء العدوان.
وتندرج العناوين السياسية العريضة للزيارة، في خانة واحدة: أوباما آتٍ إلى تركيا لترجمة مصطلح «التحالف الاستراتيجي»، الذي يجمع الولايات المتحدة بتركيا، ولإحياء «ربيع هذا التحالف»، كما عنونت صحف الموالاة. مصطلح اخترعه الرئيس بيل كلينتون في عام 1999، وعزّزه جورج بوش وأضعفه نائب وزير الدفاع الأسبق بول وولفويتز الذي لام الجيش التركي على خلفية قبوله بقرار البرلمان التركي، الذي حرم الجيش الأميركي من حق استخدام قاعدة إنجرليك في عام 2003 لاحتلال العراق. وها هو باراك أوباما اليوم ينوي تكريسه على أكثر من جبهة: أفغانستان، باكستان، إيران، العراق، فلسطين، سوريا ــ إسرائيل والقوقاز.
ويلاحظ مراقبون أميركيون في مركز «بروكينغز»، كيف أن أردوغان وفريق عمله فهموا السرّ التاريخي لتعاطي واشنطن مع أنقرة. أميركا مشغولة دائماً بـ«إدارة أزماتها» و«بضبط الأضرار». لذلك فإنّها «لا تتذكر الأتراك إلا حين تكون بحاجة إليهم كالأطفائي في أوقات الأزمات والطوارئ»، بحسب السفير الأميركي السابق لدى أنقرة، مورتون أبراموفيتش.
وقد شهد اليومان الماضيان «صفقة سياسية» أميركية ـــــ تركية رابحة جداً، ميدانها «أطلسي»، ويتوقّع عدد من المتابعين أن تعطي مفعولها فور انتهاء زيارة أوباما، الذي يغادر اسطنبول غداً بعد كلمة يلقيها أمام مؤتمر «تحالف الحضارات».
فقد تولّى أوباما خلال قمة حلف شمالي الأطلسي، حلّ عقدة انتخاب رئيس الوزراء الدنماركي أندرس فوغ راسموسن أميناً عاماً للحلف. انتخاب سيبدأ تطبيقه في آب المقبل ليحل مكان ياب دي هوب شيفر، ولم يكن ليمر بسلام لولا حل العقدة التركية التي كانت تحول دون هذا الانتخاب بالإجماع.
وتقوم التسوية التي ضمنها أوباما على موافقة أنقرة على راسموسن في مقابل 6 شروط: 1ــ أن يعتذر من العالم الإسلامي عن مواقفه المدافعة عن الرسوم الكاريكاتورية التي تعرضت للنبي محمد قبل عامين. 2ــ تسمية مسؤول تركي لمنصب مبعوث حلف شمالي الأطلسي إلى أفغانستان. 3ــ تعيين تركي نائباً للأمين العام للحلف. 4ــ تعيين مسؤول تركي مسؤولاً عن ملف نزع الأسلحة في الحلف. 4ــ تمديد المهلة لكي تفتح أنقرة مرافئها أمام البواخر القبرصية. 6ــ إقفال تلفزيون «روغ» التابع لحزب العمال الكردستاني والذي يبث من الدنمارك.
وقد وصفت صحيفة «راديكال» التركية الاتفاق «الأطلسي»، الذي تعهّد أوباما بتطبيقه، بأنه «صفقة متكاملة» لن تقتصر آثارها على تطبيق البنود الستة، بل ستطال كامل ملف العلاقات التركية ـــــ الأميركية ودخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وأهم من ذلك، مركز تركيا وقيمتها كقوة إقليمية عظمى، ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل في كل مناطق النزاعات.