يعتمد الرئيس نيكولا ساركوزي، استراتيجيات متعددة لمواجهة غريمه القوي «الاشتراكي» إلا أن أياً منها لم ينجح في تحسين شعبيته
باريس ــ بسّام الطيارة
تستعد فرنسا لانتخابات أوروبية في حزيران المقبل ينتظر منها أن تكون مؤشّراً لمدى «تأييد أو شجب» سياسة الرئيس نيكولا ساركوزي، إذ إن صدى صندوق الانتخاب يختلف كثيراً عن أصداء الحملات الإعلامية التي تلاحق الأحداث البراقة وتؤثر على استفتاءات الرأي العام.
ويدرك ساركوزي أهمية الانتخابات المقبلة، وخصوصاً أنها آخر مقارعة انتخابية قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة في ٢٠١٢. لذا، فرغم انشغاله في ثلاث قمم متتالية بين لندن وستراسبورغ وبراغ، لم يهمل أياً من تنقلاته في المقاطعات والمدن الفرنسية.
ولا تزال «استراتيجية فرّق تسد» اللعبة المفضّلة لديه، وخصوصاً عندما يكون ضحيتها الحزب الاشتراكي، الوحيد القادر على تهديد هيمنة حزب التجمع الشعبي الحاكم. ومن آخر فصول هذه الاستراتيجية اختيار القطب الاشتراكي رئيس الوزراء السابق، ميشال روكار (٧٩ سنة)، لتمثيل فرنسا في واشنطن لمناسبة الذكرى الخمسين لمعاهدة القطب الشمالي.
وقبل أسبوع تم انتداب قطب اشتراكي آخر هو الوزير السابق، جاك لانغ، الذي كان في لجنة انتخاب الرئيسة السابقة للحزب الاشتراكي، سيغولين رويال، ليصبح «مبعوث ساركوزي الخاص إلى كوبا».
ويأتي هذا في سياق سياسة بدأت مباشرة بعد انتخاب ساركوزي، ومن أبرز معالمها كان انتقال الوزير، برنار كوشنير، من ضفة رويال إلى ضفة ساركوزي، كما فعل أيضاً وزير الهجرة، إيريك بيسون، الملقّب بالـ«الخائن» بسبب انتقاله بين الضفتين، وأصبح اليوم «نائب السكرتير الأول للحزب اليميني الحاكم». ولا يكتفي ساركوزي بـ«فكفكة أوصال الحزب الاشتراكي»، بل يعمد أيضاً إلى «سرقة أفضل أفكاره»، كما يتهمه أحد المقربين من رويال.
إضافة إلى ذلك، يطبق ساركوزي استراتيجية إضعاف غريمه الأساسي عبر تقوية حلفاء هذا الغريم. فقد لاحظ المراقبون أنه لا يهاجم البتّة زعيم «الحزب الجديد المعادي للرأسمالية»، أوليفيه بزانسونو، النجم اليساري الصاعد، لأن تضاعف قوة الأخير يكون عادة على حساب اليسار الكلاسيكي.
إلا أنه رغم هاتين الاستراتيجيّتين، فإن صورة ساركوزي لدى الرأي العام لا تزال ضعيفة لأسباب كثيرة، بعضها يعود إلى لقوانين الجديدة التي أقرّها (المدارس والجامعات والأبحاث وإطالة سنوات العمل وتغير التنظيم القضائي ومحاربة الهجرة، وقرارات حصر النفقات، ودمج النظم الاجتماعية، وخفض ضرائب الأثرياء)، وبعضها خارجة عن إرداته، وفي مقدمها الأزمة المالية العالمية، التي حاول أن يركب الموجة العالمية لإيجاد حلول لها عبر تقديم المليارات للمصارف والشركات المتعثرة، لكن من دون أن تمنع هذه المساعدات من صرف العمال وارتفاع البطالة إلى أعلى درجاتها، حتى إن أحد الخبراء يقول إنه «بدءاً من السنة المقبلة، فإن تعداد البطالة سوف يكون يومياً، لا شهرياً».
ونقل أحد المقربين من الإليزيه قول الرئيس لمساعديه إن «الأيام المقبلة ستكون صعبة، وأهم شيء أن لا نبدو في حالة تلبّك». وتشير مصادر إلى أن الرئيس مقبل على «تغيير كامل الطاقم الحكومي»، وهو يعمل على إبعاد وزيرة العدل، رشيدة داتي، بجعلها تترشح للانتخابات الأوروبية، وتسليم غزافيه برتران زعامة الحزب الحاكم، ويبحث عن منصب مناسب لرئيس الوزراء، فرنسوا فيّون، البعض يتحدث عن رئاسة المفوضية الأوروبية.
وترى مصادر أن ساركوزي سوف يعلّق العمل بسياسة «الانفتاح على الاشتراكي» بعد الانتخابات الأوروبية لسببين؛ الأول أن هذه السياسة تم «عصرها» وأعطت كل ما يمكن من فوائد، والثاني يتعلق بمطالبة محازبي الرئيس بـ«حصة في الحكم» ويريدون المناصب المهمة التي «قُدمت إلى اشتراكيي الانفتاح»، وخصوصاً أنه مباشرة بعد الانتخابات، سوف يفقد ساركوزي كل عوامل الضغط على نواب حزبه، ما عدا «التلويح بالتوزير».
وبالتالي، فإن كوشنير، بحسب المصادر نفسها، لن يعود إلى منصبه، على عكس بيسون الذي بات «من أهل الدار»، كذلك من المستبعد اللجوء إلى وزير الخارجية الأسبق، هوبرت فيدرين. وبالنسبة إلى رئاسة الوزراء، فقد عاد اسم آلان جوبيه إلى التداول بقوة رغم «النفور بينه وبين ساركوزي»، إذ إن الظروف قد تفرضه لمحاربة رئيس الوزراء السابق، دومينيك دوفيلبان، الذي أعلن إمكان ترشحه للانتخابات المقبلة وبات يجمع حوله عدداً من النواب ومؤيدي الرئيس السابق، جاك شيراك.
وقد تحتّم مراضاة الحزب اختيار رئيس وزراء من «تاريخيي الحزب» مثل وزيرة الداخلية ميشال أليو ماري. وفي حال ضرورة الذهاب نحو معركة مع الداخل والخارج فإن رجل المهمات الصعبة، السكرتير العام لقصر الإليزيه، كلود غيان، سيكون المرشح الأفضل.