خاص بالموقع | 12:16 PMبرلين ــ الأخباروعلى الرغم من تنوّع نظرة الألمان واختلافهم حول هذا الموضوع، فقد توجه ناخبو العاصمة برلين بهدوء وانضباط إلى مراكز الاقتراع لاختيار النظام التربوي لأبنائهم.
ورافقت وسائل الإعلام اليوم الانتخابي الطويل، ناقلة آراء الناخبين، وخصوصاً أولئك الذين توجّهوا إلى صناديق الاقتراع قبل فتحها في الساعة الثامنة صباحاً.
وقد أثار هذا الاستحقاق العديد من الأسئلة من قبيل: هل حقاً يؤدي تأهيل التلاميذ وتدريسهم غاية الديانات إلى مكافحة ما يعرف بالإرهاب والأصولية؟ وهل يحدّ بالتالي من انتشار المدارس الدينية الإسلامية الخاصة في أقبية وصالات المساجد؟ وهل يؤدي حقاً دخول الكتاب الديني في سلسلة الكتب المدرسية إلى تأهيل الناشئة وتنشيط قيم المحبة وحسن السلوك والتعامل وتبادل الاحترام بين البشر (كما يؤكد رجال الدين الإسلامي في مطالبهم المتكررة للمحافظة على تقاليدهم وتراثهم)؟ وأخيراً، ما هو موقع رجال السياسة والأحزاب الألمانية في جذب أصوات 711 ألف ناخب من أصل مليونين ونصف مليون ناخب برليني يحق لهم الاقتراع؟
معظم المؤيدين لتدريس الدين الإسلامي في المنهج الرسمي المدرسي هم من الجيل التركي الشاب، وكاد أفراد هذا الجيل أن ينسوا لغة أجدادهم بسبب التفاعل مع محيط اجتماعي مختلف تمام الاختلاف عن محيط موطنهم الأصلي. أمّا الأحزاب الألمانية، المؤمنة والملحدة والعلمانية منها، فقد وقفت بدورها في خلفية المشهد الانتخابي؛ كل فئة تشير إلى معاناة التاريخ الأوروبي مع هذه القضية الشائكة. بعض الأحزاب تعيد في شعاراتها وإعلامها الدعائي ما شهدته أوروبا من حروب دامية، بدءاً من سلطة «بابا الكنيسة» في روما وتعيينه أو تنحيته ملوك الدول الأوروبية وتنشيط المقصلة وقطع رؤوس الخارجين على الطاعة، وصولاً إلى انتشار الحروب الصليبية وفرض القناعات والإيمان بحدّ السيف. أما بعض الأحزاب الأخرى، فقد شددت دعايتها الانتخابية على التكامل، لا بل عدم التمايز بين الدين والدولة، في إشارة إلى أن الحكم الشيوعي في بولونيا لم يمنع أحد مواطنيه من الوصول يوماً إلى سلطة روما، في إشارة إلى البابا الراحل يوحنا بولس الثاني.
ولم يمنع هذا التنوع في آراء الناخبين البرلينيين على شاشات التلفزة، عدداً من المواطنين من الإشارة إلى أن القضية بكاملها لا تعنيهم في هذه الأيام وفي هذا الزمن، وعلى التأكيد أنهم يدلون بصوتهم فقط للقيام بالواجب.
أما البعض الآخر، وتحديداً في الأحياء الشعبية من العاصمة الألمانية خصوصاً «حي كرويزبرغ» «و«بوتسدامر شتراسه»، وسواها من الأحياء المختلطة تركياً وعربياً وألمانياً، فأكدوا أنهم غير مستعدين لدفن أمواتهم من دون تابوت.
وفي السياق، شدد بعض الناخبين على عدم إيمانهم، مصرّين على ضرورة مكافحة السلطات الدينية ودورها في عمليات التمييز بين الناس والأجناس، بين «شعوب مختارة وشعوب عادية»، مكرّرين شعارات قائد الثورة الفرنسية روبسبير: «مساوة وحرية وأخوة»!

برلين «مميزة»

من الوجهة القانونية والدستورية، لا تدخل مادة التربية الدينية في مدراس برلين ضمن المقرّرات الدراسية، وإنما يمكن اختيارها طوعاً بجانب مادة الأخلاق. وتتضمن مواد الدستور الألماني، إشارة إلى «وجود الخالق»، لكن المادة الرابعة من الدستور ذاته تضمن حرية الديانة والاعتقاد. وتدخل مادة الدين في المنهج الدراسي الرسمي للولايات الألمانية الـ16 منذ العام الدراسي الأول، بينما يتمتع التلميذ في ولاية برلين بإمكان الاختيار بين مادة الدين ومواد الأخلاق التي تتناول جميع الديانات والمذاهب الفلسفية الكبرى، وذلك بدلاً من دراسة الدين.
ويرجع ذلك إلى أسباب تاريخية تتعلق بتاريخ العاصمة الألمانية وبالذات إلى عام 1945، عندما تولّى الحزب الاشتراكي الديموقراطي والشيوعيون إدارة المدينة وأصدروا نظاماً لا يزال معمولاً به حتى اليوم، ينصّ على أن «تدريس التربية الدينية ليس مهمة المدرسة، وإنما مهمة الكنيسة حصراً». وتعني هذه الفقرة أن المدارس تعطي حصص التربية الدينية فقط إذا اختار التلميذ دراستها، ويكون ذلك حينها تحت إشراف الكنائس أو الجمعيات الدينية. وتجدر الإشارة إلى أن كثيراً من التلاميذ في شرق برلين (الذي خضع للحكم الاشتراكي) لا يزالون يفضلون دراسة مادة «أسلوب الحياة» الخالية من أي صبغة دينية.