الغاية من وراء نشر وثائق التعذيب: محاسبة أو محاباة الرأي العام!واشنطن ــ محمد سعيد
عمل الرئيس باراك أوباما، بعد إعطائه أمر إصدار أربع مذكرات مصنّفة سرية بشأن أساليب التحقيق القاسية التي تتضمّن التعذيب، جاهداً لطمأنة موظفي وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه» إلى أنهم لن يكونوا أكباش فداء، وأن ضباطها لن يتعرضوا للملاحقة القضائية، لكنه ترك الباب مفتوحاً أمام إمكان اتخاذ إجراءات قانونية ضدّ كبار المسؤولين الذين وضعوا هذه السياسات.
ومهما كان قراره، فمن المؤكد أن أوباما يتعرض لهجوم مزدوج من جانب مناصريه الليبراليين والناشطين في مجال حقوق الإنسان، ومن شخصيات محافظة تدّعي أنه يكبّل أيدي القوات الأميركية ووكالات الاستخبارات في كفاحها ضد «الإرهاب».
ويشكو المدافعون عن الحقوق المدنية عدم عدالة المدعين العامين في قيامهم بعملهم وتقديم المشورة القانونية، فيما يعمد المدافعون عن ممارسات حكومة بوش إلى حرف انتباه الرأي العام، بدعوة الناس إلى النظر إلى «انتهاك أوباما لوعوده المتكررة التي قال فيها إن إدارته ستكون شفّافة وصادقة»، وإنها لم تقم إلّا بنشر جزئي لممارسات الـ «سي آي إيه»، وإن ذلك عمل سياسيّ لا يهدف سوى إلى إثارة الغضب على مسؤولين سابقين. ويتهم هؤلاء البيت الأبيض بممارسة نوع من «الخداع» يقرب من ممارسات الرئيس الراحل ريتشارد نيكسون ويُخرج كل مفهوم متأصل للعدالة. ويقولون إن حكومة أوباما تجاهلت قضايا كثيرة وضعها رجال استخبارات «محترمون» للحفاظ على هذه التحقيقات في نطاق السرية، ورفضوا النظر في دلائل أن تلك التحقيقات قد أنقذت حياة العديد من الأميركيين.
وكان الكاتب في صحيفة «نيويورك تايمز»، بيتر بيكر، قد ذكر أن مدير مجلس الاستخبارات القومي، دينيس بلير، كتب في مذكرة يقول «لقد حصلنا على معلومات ذات قيمة كبيرة من خلال الوسائل التي استخدمناها في التحقيقات، وقدّم إلينا كل ذلك فهماً بأن تنظيم «القاعدة» يهاجمنا». ويضيف «لم أكن لأوافق على ممارسات كهذه في الماضي، ولكنني لا ألقي باللوم على الذين اتخذوا تلك القرارات في حينه».
وقال بيكر إن «تقدير بلير لوسائل التحقيق والاستجواب قد شُطب من النسخة المختصرة لتلك المذكرة التي أُتيحت لوسائل الإعلام يوم الخميس الماضي».
من جهتها، رأت صحيفة «واشنطن بوست»، أول من أمس، أن نائب الرئيس السابق، ديك تشيني، طلب في 31 آذار الماضي (أي قبل أسبوعين من قرار أوباما نشر مذكرات التعذيب الأربع) من الـ «سي آي إيه» رفع السرية عن وثيقتين تفيدان أن أساليب الاستجواب تلك أدت إلى إبطال مخططات لـ «القاعدة» لشن هجمات. غير أن مسؤولين في الوكالة نفوا وجود أدلة تفيد أن أساليب التحقيق القاسية قد أسهمت بأي شكل في الحيلولة دون وقوع هجمات.
وأشارت الصحيفة إلى أن مدير الـ «سي أي إيه»، ليون بانيتا، وأربعة من أسلافه، إضافةً إلى مستشار الرئيس لشؤون مكافحة الإرهاب، كانوا ضدّ نشر وثائق التحقيق، فيما دافع هولدر وبلير والمستشار القانوني للبيت الأبيض، غريغوري كريغ، عن نشر الوثائق. ودعم وزير الدفاع روبرت غيتس نشر الوثائق لاعتقاده أن نشرها محتوم، ولأن البيت الأبيض كان يميل إلى التعهد بعدم محاكمة ضباط الـ «سي أي إيه». ودعم رئيس هيئة الأركان المشتركة، مايك مولن، وجهة نظر غيتس.
وعلى الرغم من وقوع أوباما بين المطرقة والسندان في مسألة تحديد المسؤوليات، فإنه يسعى إلى تعزيز موقفه من خلال تعبئة الرأي العام لمصلحة ملاحقة مسؤولي بوش، الذين أقروا ممارسات التعذيب. وذلك بقرار وزارة الدفاع نشر صور التعذيب في سجن أبو غريب في موعد أقصاه 28 أيار المقبل، وتتضمن 21 صورة التُقطت في مواقع في العراق وأفغانستان، إلى جانب 23 صورة أخرى كان قاضٍ فدرالي قد أمر بنشرها في حزيران 2006 غير أن حكومة بوش رفضت ذلك.
في المقابل، أظهرت الأيام الأخيرة تقلّب مواقف أوباما تجاه هذه المسألة، حيث قال رئيس هيئة موظفي البيت الأبيض، راحم عمانوئيل، إن الرئيس عارض ملاحقة أولئك الذين وضعوا هذه السياسة، مضيفاً «هذا ليس وقت الانتقام، إنه وقت التأمل»، مشيراً إلى أن «ما يحتاج الناس إلى معرفته هو أننا لن نستخدم هذا الأسلوب وهذه الممارسة بعد الآن. نحن نحظرها».
ويبدو أن هذه الملاحظات تستبعد أي ملاحقة قضائية لكبار المسؤولين السابقين أمثال تشيني والمستشار القانوني السابق، دايفيد آدينغتون، ومساعد وزارة الدفاع لشؤون السياسة دوغلاس فيث وأربعة آخرين. إلّا أن القيمين على تصحيح الأخطاء في السياسة الإعلانية لإدارة أوباما تحرّكوا بسرعة ليقولوا إن عمانوئيل كان يشير فقط إلى كبار المسؤولين في وكالة الاستخبارات، ما يترك المجال مفتوحاً لاحتمال ملاحقة صنّاع القرار.
ويركّز موقف أوباما حتى الآن على أن لجنة من الحزبين ستكون الطريقة الأفضل للتحقيق في القضية من لجنة في الكونغرس، لكن رئيسة لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، ديانا فينستين، ذكرت أن الأمر يعود إلى لجنتها للتحقيق في ذلك.