بعدما شغلت قضية دارفور الأسرة الدولية برمتها، وصدرت مذكرة توقيف بحق عمر البشير لارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، عاد نجمها ليأفل من جديد
نيويورك ــ نزار عبود
تراجع الاهتمام الدولي بقضية دارفور إلى مرتبة ثالثة أو رابعة منذ تولي الرئيس باراك أوباما السلطة في الولايات المتحدة. وباتت جلسات مراجعة التقدم في نشر القوات الهجينة في الإقليم السوداني تُعقد بهدوء داخل مجلس الأمن الدولي، وحتى بغياب عدد من المندوبين الكبار، بما في ذلك مندوبة واشنطن، سوزان رايس.
وفي مطلع الأسبوع، قدّم الممثل المشترك للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة الخاص لبعثة السلام، روديلفي أدادا، مطالعته التي تُقدّم مرة كل شهرين إلى مجلس الأمن. وكانت بعيدة كل البعد عما تحدث عنه المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، لويس مورينو أوكامبو، عن المجازر والإبادة الجماعية. إذ وصف النزاع هناك بأنه «ضعيف» و«لا يشبه بأي حال من الأحوال ما كان عليه بين عامي 2003 و2004»، نافياً وجود إبادة جماعية، ومتحدثاً بلغة الأرقام. لكنه حذر من أن «الوضع قابل للتصعيد والانفجار، بفعل عوامل إقليمية ودولية ومحلية»، داعياً إلى استكمال نشر القوات المشتركة التي تأخرت عن موعدها الأساسي لأكثر من عام، بسبب عدم رضى الدول الغربية الكبرى عن المشاركة الأفريقية الطاغية فيها.
ورأى أدادا، في حديث للمراسلين بعد الجلسة، أن «أفدح الأخطار نابعة من عملية التسلح الواسعة في مخيمات النازحين»، وأن «الخلافات بين حكومتي الخرطوم ونجامينا (عاصمة تشاد) هي المسعّر الأساسي لأي نزاع مقبل». وأشار إلى أنه «منذ تسلم القوات زمام الأمور في الإقليم مطلع عام 2008، قُتل 2000 شخص بين مدني وعسكري ومسلح. وهذا العدد يشمل 14 عنصراً من قوات حفظ السلام، أي بنسبة تقل عن 150 قتيلاً شهرياً. وبلغت نسبة الضحايا المدنيين 33 في المئة (620 ضحية)».
وبحسب تصور الممثل الخاص لبعثة السلام، فإن إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني، عمر حسن البشير، «أضعف قوى الاعتدال في السودان، وحشد القوى السياسية الداخلية المختلفة حول الرئيس». ورأى أن الحل يكمن في «تعزيز العناصر المعتدلة بما في ذلك المجتمع المدني». وأعرب عن اعتقاده بأن «بلوغ سلام شامل في دارفور غير متاح في الظرف الراهن»، لكن «يمكن تخفيف حدة الأعمال العدائية والعنف»، مذكراً أعضاء المجلس بأنه «يجب ألا ننسى أن دارفور جزء من السودان، وأن الحل هناك يجب ألا ينفصل عن الحل الشامل في السودان». وأعرب عن قلقه البالغ على أوضاع النازحين بعد طرد الخرطوم لثلاث عشرة منظمة إغاثة.
وأثنى المبعوث الدولي على تعاون السودان مع نشر القوات، التي سيصل عددها الإجمالي مع الشرطة والإدارة إلى 26 ألف عنصر في موعد أقصاه نهاية العام الحالي. لكنه عزا العجز في معالجة مشاكل أمنية كبرى إلى استمرار عزوف الدول عن توفير الطائرات العمودية المقاتلة. وجدّد دعوته إلى التقدم بمساعدات عسكرية ضرورية، لأن الطائرات المروحية الخمس التي قدمتها السلطات الإثيوبية تُستخدم في العمليات التكتيكية.
وأحاط أدادا مجلس الأمن بالجهود السياسية المبذولة لإنهاء النزاع في دارفور. وقال إن الاتفاق المبدئي الذي تم التوصل إليه في شباط الماضي بين حكومة السودان وحركة «العدالة والسلام» بوساطة الدوحة، ومشاركة سلفه، جبريل باسولي، لم يدم. وعزا التعثر إلى مذكرة توقيف البشير وما خلفته من جدل داخلي واهتمام إقليمي. لكنه أعرب عن الأمل في رأب الصدع وإعادة الحوار بين الحكومة والمتمردين في إطار الحل الشامل داخل السودان، مشيراً إلى أن «المهام العاجلة تتلخص في منع تفجّر النزاع مجدداً، وتوفير المساعدات الإنسانية، والتعجيل في المصالحة بين السودان وتشاد».
وعلى المستوى الصحي وأوضاع النازحين، أكد أدادا أنه «باستثناء تفشي مرض السحايا في بعض المخيمات، ليس هناك ما يثير القلق». ولفت إلى أن الوضع الغذائي تحسن نسبياً بفضل الحصاد الجيد العام الماضي. لكنه شدد على أن «تشرد السكان نتيجة الأعمال العسكرية هو المبعث الرئيسي للقلق». وقال إن «ما جرى في المهاجرية أدى إلى نزوح الآلاف إلى مخيم زمزم»، موضحاً أن وساطات «يوناميد» مع كافة الأطراف، بما في ذلك مع حكومة الخرطوم، أدى إلى منع وقوع كوارث حقيقية هائلة.
وكانت سوزان رايس قد أعربت، خلال الأيام الأولى لممارسة مهامها في الأمم المتحدة في كانون الثاني الماضي، عن قلقها البالغ من «عملية الإبادة الجماعية المستمرة في دارفور». وفيما شددت على أهمية النشر الكامل لقوات «يوناميد»، أكدت أنها تنوي دعم جهود المبعوث الخاص السياسية لبلوغ حلول سلمية. وجاء هذا التقرير للمبعوث الخاص لينفي وجود إبادة جماعية بالمطلق، وبالتالي ينسف الادعاءات السابقة، وفي مقدّمتها تلك التي أطلقها أوكامبو.