باريس ــ بسّام الطيارة تشهد الساحة الإعلامية، المصدومة أصلاً باتساع الأزمة المالية العالمية وانتشار بطالة تعدّ بالآلاف يومياً، تفشي خطر فيروس أنفلونزا الخنازير. ورغم خطورة الوضع، حيث لم تعد أي منطقة في العالم في منأى عن الوباء، يبدو الإعلام، الذي يؤدي دوراً وقائياً، كأنه يعيش معركتين؛ معركة توجيه لردع انتشار الأنفلونزا، ومعركة «توصيف اسم الفيروس» بالتسمية العلمية «إتش١ إن١»، وكأن إلصاق اسم «خنازير» عليه يضاعف من قوة انتشاره.
وأصدرت السلطات الصحية الفرنسية تحذيرات من السفر إلى المكسيك، فيما يستعد وزراء الصحة الأوروبيون لعقد اجتماع طارئ بعد سلسلة اجراءات وصفها الإعلام بأنها ضعيفة كونها أحادية. ورغم أن فرنسا حتى الساعة لم تعلن «رسمياً» سوى عن حالة واحدة ورفعت الشكوك عن حالتين، وكلها تخصّ مسافرين قدموا من المكسيك، إلا أن معظم الخبراء يتفقون على أن البلاد «ليست بمنأى عن الموجة» بسبب «خصوصية» الوباء الذي «ينتقل بين الأفراد» بعكس أنفلونزا الطيور الذي كان ينتقل من الطير إلى البشر فقط، ولا يسبب الاتصال البشري أي عدوى. وبحسب دراسات قدمها عدد من الخبراء، فإن من أسباب الانتشار السريع للمرض هو «سهولة انتقال الأفراد بسبب تطور المواصلات». وبحسب آخر إحصاء، فإن ٨٠ ألف شخص يتنقلون سنوياً بين فرنسا والمكسيك، إضافة إلى تجمع السكان في مدن كبيرة جداً. إلا أن التحذيرات حملت أيضاً طمأنة نوعاً ما، إذ إن نسبة الوفيات الناتجة من أنفلونزا الخنازير لا تتجاوز الـ٤ في المئة من المصابين.
ويمكن الشفاء من هذا الفيروس السريع الانتشار إذا عولج بسرعة بأدوية مضادة. وتوصي منظمة الصحة العالمية باستخدام عقار «تاميفلو». وتستعد فرنسا بشكل أو بآخر لوصول أول حالات مرضية عن طريق وضع نظام متابعة للقادمين من المكسيك (يمكن أن يمتد إلى الولايات المتحدة) لحصر «أماكن احتمال تفشي الوباء» استعداداً لأي حالة تعلن. ولكن لا يخفي المختصون بأنه في حالة ارتفاع سريع لعدد المصابين، فمن الممكن أخذ تدابير قاسية مثل إقفال المدارس ومنع التجمعات الرياضية ووسائل النقل المشترك، إضافة إلى فرض قيود شديدة على السفر والتنقل.
وتبدو السلطات الفرنسية واثقة من إمكان ردع الوباء. ففي حين أن مجمل ما تمتلكه المنظمة الدولية من جرعات «تاميفلو» لا يتجاوز الـ٥ ملايين، فإن «المخزون الفرنسي» يعادل ٢٣ مليون جرعة تمتلكها الدولة وتخزنها في أماكن سرية بحماية الجيش الذي أوكلت إليه مهمة تعليب الجرعات وحفظها. ولا تغطي هذه الكميات سوى ٥٤ في المئة من السكان الفرنسيين، فيما القوانين تقضي بتعميم التطعيم في حال تفشي الوباء.
ولم تعد صناعة «تاميفلو» محصورة بشركة «روش» السويسرية، إذ تصنع شركة «غلاسكو» الإنكليزية عقار «ريلانزا» ذي المفعول المشابه. وقد طلبت منها الحكومة الفرنسية ٩ ملايين جرعة إضافية.
ومن المعروف أن الشركات المصنعة لمضادات الأنفلونزا الوبائية (الطيور والخنازير ووباء الالتهاب التنفسي الحاد المعروف باسم سارس) لا تبيعها إلا للحكومات وترفض أي طلب يأتي من شركات خاصة. إلا أن المسؤولين في الشركتين لا يخفون أنه «من المستحيل تلبية الطلبات الجديدة وتغذية السوق»، ما يشير إلى إمكان وجود نقص، وصفه البعض بالهائل، في عدد الجرعات المطلوبة على الصعيد العالمي.
وبالطبع فإن الدول الفقيرة، أو التي لم تستعدّ لحالات الكوارث هذه والتي تفتقر إلى «مخزون مسبق من العقاقير»، سوف تدفع ثمناً باهظاً إذا لم تستطع الدول الغنية «وقف تمدد الوباء»، تماماً كما حصل في وباء الإيدز.