تعيش المكسيك والعالم أجمع سيناريو فيلم رعب لا يستطيع أحد اليوم أن يحدد كيف سينتهي. وهناك حتى الآن شكوك في معرفة كيف بدأ. كل يوم يحمل حزمة من المشاهد الجديدة ومن الضحايا المرافقة لها. والآتي أعظم...
بول الأشقر
«أنفلونزا الخنازير»... مرض تقليدي معروف في مزارع الخنازير في الولايات المتحدة والمكسيك. لا ينتقل إلى الإنسان إلّا في حالات نادرة جداً تخصّ العاملين في تلك المزارع. وراء الاسم نفسه، يختبئ اليوم واقع آخر: فيروس جديد، سريع الانتشار، ينتقل بين البشر. يُقال اليوم إنه ظهر على الأرجح في مزارع شركة «كارول» لتربية الخنازير في منطقة جبلية تفصل بين ولايتي بويبلا وفيراكروز. تنفي الشركة، وتؤكد أن هذا الفيروس بالذات غير منتشر بين خنازير مزارعها ولا بين العاملين فيها. يبقى أن في بلدة لاغلوريا المجاورة نحو 400 من السكان، الذين يبلغ عددهم ثلاثة آلاف، عانوا من عوارض شبيهة وتوفي ثلاثة رضّع.
في الثاني من نيسان الحالي، أرسلت منظمة «فيراتيكت» الأميركية للوقاية الصحية برقية إلى منظمة الصحة العالمية تخبر عن «وجود حالة وبائية» في هذه المزارع. وفي الخامس منه وصلت فرقة من المكافحة الصحية المكسيكية ولقّحت السكان ورشّت المنطقة وفرضت عليها نوعاً من الحجر الصحي.
وبعد أيام، وتحديداً في 16 نيسان، وصل الرئيس الأميركي باراك أوباما. كتب إنريكي أوشوا، معلّق جريدة «لاخورنادا»: «فيما يحتفل العالم بمرور مئة يوم على ولاية أوباما، تحتفل المكسيك بمرور عشرة أيام على مغادرته المكسيك سليماً». وأضاف أنه بعد «أيام قليلة من مروره، توفي مدير متحف التاريخ والأنتروبولوجيا الذي كان العشاء الرسمي على شرفه، إثر مشاكل تنفّسية قاسية». ويذكر أنه في اليوم التالي، انتقل المئات من المكسيكيين من ضمن الوفد المرافق للرئيس إلى ترينيداد وتوباغو. لم يبلّغ أوباما بأي شيء ومرّت الزيارة على أحسن ما يرام، عن قصد أو عن جهل؟ من المبكر حسم هذه المسألة، لكن الأكيد أن الزيارة كانت حيوية لرفع معنويات الرئيس المكسيكي فيليبي كالديرون، المحاصر بين ارتدادات حرب المخدرات وآثار الأزمة الاقتصادية الأميركية، وكلّّّّها تمرّ على الحدود المشتركة بين البلدين.
مهما يكن، بعد تكاثر الوفيات وتأكّد انتقال الفيروس بين البشر وانتشاره في أكثر من نصف الولايات الاتحادية الـ32، التي تتألف منها البلاد، وتحديداً في 23 نيسان، أعلنت المكسيك «حالة الطوارئ الصحية»، ورأت البرازيل أنّ تأخيراً حصل في عملية التبليغ العالمي.
بالعودة إلى عام 2006، حذرت منظمة الصحة العالمية من «احتمال حصول بانديميا ـــــ وباء عالمي ينتشر بين البشر ـــــ في أي لحظة. لا أحد يدري أين ومتى وكيف». مكسيكو الكبرى تعتبر بعد طوكيو الكبرى ثاني أكبر تجمّع مديني في العالم،إذ يسكنها أكثر من 25 مليون شخص. مع الإعلان، وبعد فصل التشابك بين الصلاحيات المركزية وتلك العائدة للولايات، وارتباكات إعلان حملة تلقيح وطنية والتراجع عنها بنصيحة من منظمة الصحة العالمية، تأتي التدابير الأولى منطقية وتقليدية في آن: وقف النشاطات التعليمية حتى السادس من أيار المقبل، إقفال المسارح والمتاحف ودور السينما والحدائق العامة، تأجيل أكثر من 500 نشاط ثقافي كانت مبرمجة في نهاية الأسبوع، إلغاء الحفلات الموسيقية وإجراء مباريات الكرة من دون جمهور.
يصرّ مطران مكسيكو على عقد القداس في الكاتدرائية ثم يتراجع ليعلن أن حضور القداس على الراديو أو التلفزيون يساوي استثنائياً الفرض الديني. في اليومين التاليين، قرار رئاسي يجيز لمديرية الصحة حق عزل المصابين واقتحام البيوت في حال الشك في وجود إصابات. المشكلة أن هناك شكاً في ما إذا كانت كل هذه التدابير، على أهميتها، هي الأساس. في خطاب متلفز مساء الاثنين الماضي، قال حاكم العاصمة الفدرالية مارسيلو إبرار، إن «الوباء وصل إلى لحظة حاسمة. 127حالة جديدة الخميس، 210 الجمعة، 350 السبت، 326 الأحد، 320 الاثنين. الأيام المقبلة ستحدد منحاه. وفي كل الأحوال، علينا أن نخطط منذ الآن لما بعد 6 أيار، وسيكون علينا التعايش مع الوباء خلال فترة طويلة، مع ما يقتضيه ذلك من نتائج اقتصادية وصحية ومجتمعية».
كل يوم يأتي بأسئلة جديدة تتطلب حلولاً غير محسوبة: ماذا عن النقل العام، وخصوصاً المترو؟ هل يجب إقفال المعامل والمراكز التجارية العملاقة؟ شهد يوم أول من أمس تطوران: هددت نقابة الممرضات بوقف الخدمة إن لم يزوّد أعضاؤها مع عائلاتهم بالأدوية، وأُقفلت المطاعم والمقاهي والبارات، ولم يترك لها إلا العمل بنظام «الدليفري».