باريس | أعلن رئيس الحكومة الفرنسية، مانويل فالس، الثلاثاء أمام البرلمان الفرنسي، مجموعة من الإجراءات لمواجهة التشدّد الديني، في الوقت الذي صدرت فيه الصحف الفرنسية بعناوين مختلفة تدخل ضمن حالة الحرب دفاعاً عن الجمهورية.الخوف بل الرعب الذي هزّ الشارع الفرنسي بعد جريمة القتل الجماعي التي ذهب ضحيّتها 17 مواطناً، هو النتيجة الطبيعية للتحوّلات الخطيرة في الشارع الفرنسي، التي أصبحت تهدّد قيم الجمهورية. والأخطر من ذلك كله، أن هذه التهديدات تأتي من شبّان فرنسيين ولدوا على التراب الفرنسي ومن أبوين يحملان الجنسية الفرنسية، إنهم أبناء الجيل الثالث الذين لا يعرفون بلاداً غير فرنسا، ولغة غير لغتها، لكنّهم في المقابل يحملون فكراً غير فكرها.

قبل سنوات، قاطع شبّان من أصول جزائرية في مقابلة رياضية بين الجزائر وفرنسا، النشيد الوطني الفرنسي بالتصفير والهتافات بحضور الرئيس الفرنسي الأسبق، جاك شيراك. هذه الحادثة شابهتها أخرى، منذ أيام، حين رفض عدد من التلاميذ الذين يتحدرون من أصول مغاربية الوقوف دقيقة صمت على ضحايا المجازر الإرهابية. هاتان الحادثتان تكشفان بوضوح جيلاً فرنسياً يرفض ضمنياً الفكر الجمهوري، الذي تأسست عليه الدولة بعد الثورة الفرنسية، وتنذران بمواجهة جديدة ستخوضها فرنسا. وهذه المواجهة لن تكون مع مهاجرين لا أوراق لديهم ويمكن ترحيلهم في أي وقت، أو مهاجرين خالفوا القانون، بل إنها مع أبناء فرنسا، الذين يُعدّون من الضالّين والخارجين عن السرب الجمهوري. وهولاء ليسوا من أصول عربية أو أفريقية فقط، بل من العالم الإسلامي بمجمله أيضاً. فعدد أفراد الجالية الإسلامية في فرنسا يبلغ حوالى ٣ ملايين، من دون الأخذ في الاعتبار الأبناء والأحفاد المسجّلين كفرنسيين، الذين يشكّكون في القيم الجمهورية، ويميل عدد منهم إلى التشدد الديني.
الإجراءات التي اتخذها فالس، مثل تطوير جهاز الاستخبارات، وإعادة النظر في وضع المساجين وفصل المتورّطين في قضايا إرهابية عن مجرمي الحق العام، حتى لا يصبحوا ضحايا غسيل الأدمغة والاستقطاب، هي من ضمن خطوات كثيرة ستقدم فرنسا عليها في سبيل الحفاظ على قيم الجمهورية، التي تعدّ خطاً أحمر.
والسنوات المقبلة ستكون اختباراً جدياً لقدرة فرنسا على التحكم في «قنبلة التطرف»، التي تستهدف الحريات، وخصوصاً حرية الفكر. فانتشار المحالّ الإسلامية والمساجد التي لا رقابة للدولة عليها، إضافة إلى كتب التطرّف الإسلامي المترجمة إلى الفرنسية، التي تطبع منها ملايين النسخ، بدأت تعطي أكلها بولادة مشروع لأسلمة المجمتع الفرنسي، الذي إن بدا طموحاً شبه مستحيل التحقيق على طريقة «الإمارة»، إلا أنه لا يمنع من وجود بصمات بدأت تظهر بوضوح في الشارع الفرنسي، الذي تغيّرت معالمه في الكثير من الأحياء والضواحي حتى أصبحت شبيهة بأي بلد إسلامي.
هذا الوضع القديم الذي انطلق منذ التسعينات لم ينتبه الفرنسيون إلى حجمه إلا بعد صدمة جريمة «شارلي إيبدو» والمتجر اليهودي في فنسان. يومها استيقظ الفرنسيون على حقيقة أن كل الإرث الجمهوري في خطر، ليس من المهاجرين بل من فرنسيين اختاروا التشدّد الديني، وهو ما دفع أحزاباً ومنظمات متطرفة إلى المطالبة بسياسة أكثر تشدداً تجاه المهاجرين والمسلمين، الذين سيكونون بلا شك محرقة انتخابات عام ٢٠١٧، التي يبدو فيها اليمين الفرنسي في طريق مفتوح نحو الإيليزيه.