السلام وإيران ولبنان و«القاعدة» في مقدّمة مباحثات فيلتمان وشابيرو في دمشقواشنطن ــ محمد سعيد
يمكن اعتبار زيارة القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية الأميركية للشرق الأوسط، جيفري فيلتمان، ومدير دائرة الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، دانيال شابيرو، إلى دمشق، مشيراً إلى بدء حكومة الرئيس باراك أوباما، تنفيذ سياسة الانفتاح على الدول التي كانت حكومة سلفه جورج بوش تتخذ منها موقفاً معادياً.
ويتوقع أن يثير المسؤولون السوريون معهما مسألة تعيين سفير أميركي جديد لدى دمشق، وبحث العديد من القضايا ذات الاهتمامات المشتركة، فيما يريد الأميركيون استطلاع المواقف السورية مباشرة. وقد تعقب هذه المحادثات زيارة يقوم بها إلى دمشق المبعوث الأميركي الخاص لعملية تسوية الصراع العربي الإسرائيلي، جورج ميتشل.
ويؤكد خبراء سياسيون أميركيون أن إدارة جورج بوش بذلت جهوداً حثيثة على مدار السنوات الخمس الأخيرة من عمرها لعزل سوريا، واتسمت العلاقات بين البلدين منذ وصول بوش إلى البيت الأبيض عام 2001 بالبرودة، وخصوصاً مع تبنيه سياسة تغيير الأنظمة. وزادت درجة البرودة بعد الغزو الأميركي للعراق واغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري. غير أن سياسة العزل لم تحقق النتائج المرجوة.
وذكر هؤلاء، في تقرير أصدره مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، أنه لا بد من العودة الكبرى للعلاقات السورية الأميركية وبأسلوب جديد.
وتقول الباحثة منى يعقوبيان، وزميلها سكوت ليسنسكي، من معهد الولايات المتحدة للسلام، إن «اتّباع سياسة التقارب مع سوريا يرتبط بعدد من الاعتبارات أهمها وجود اتجاه دولي داعم لهذه السياسة».
ويشير تقرير مجلس العلاقات الخارجية إلى وجود «توافق في الرؤية السورية والأميركية بشأن ضرورة محاربة تنظيم القاعدة بفكرها الجهادي بصفة عامة، وأنّ من المصلحة السورية منع استقرار وانتشار عناصر القاعدة في العراق»، فيما تتباين الأهداف والمصالح بين سوريا والولايات المتحدة في ما يتعلق بإيران.
ويعّ فك التحالف بين سوريا وإيران النقطة المركزية في التوجه الأميركي تجاه دمشق. لذلك يعتقد معدو التقرير بإمكان الالتفاف على العلاقات السورية ـ الإيرانية بما يدفع الأولى إلى الابتعاد عن طهران، وخصوصاً أن التحالف بينهما لا يرضي الكثير من الدول العربية، كما أن سعي سوريا إلى إجراء مفاوضات مباشرة والتوصل إلى تسوية سلمية مع إسرائيل والاعتراف بها يتعارض مع الموقف الإيراني.
غير أن الملف اللبناني هو الأكثر أهمية لدى سوريا. ويعتقد خبراء السياسة الخارجية الأميركيون أن «هدف سوريا هو الحفاظ على مصالحها في لبنان»، مشيرين إلى أن «إقامة علاقات طبيعية بين سوريا ولبنان تقوم على احترام القانون الدولي وتحقيق المصالح المشتركة بما يسهم في استقرار المنطقة يساعد على التقارب بين سوريا والولايات المتحدة». وقد لاحظ هؤلاء في هذا السياق أن فيلتمان وشابيرو زارا بيروت قبل زيارتهما لدمشق.
ويرى الدبلوماسي الأميركي والخبير في الشأن السوري، فريدرك هوف، أن «تحقيق تسوية سورية إسرائيلية قد يسهل عملية تنفيذ حل الدولتين». وقال، في تقرير نشره معهد الولايات المتحدة للسلام، إن «ما تريده سوريا هو استعادة جميع الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وهي هضبة الجولان وشريط من الأراضي على وادي الأردن يحاذي مصادر مياه تعدّ حيوية لاقتصاد إسرائيل، ولكنها قليلة الأهمية لسوريا. فيما تريد إسرائيل من السلام مع سوريا إعادة توجّه استراتيجيتها بعيداً عن إيران وحزب الله وبعض التنظيمات الفلسطينية، تحديداً حماس».
غير أن هوف، الذي تحدثت أنباء عن إمكان تعيينه سفيراً لدى سوريا، يعدّ في الوقت نفسه أن «سوريا لن تستطيع الحفاظ على علاقات طبيعية وسلام مع إسرائيل إذا بقيت كل من إيران وحزب الله ملتزمان بتدميرها وواصلت سوريا علاقاتها الجيدة معهما». وقال إنه «في ما يتعلق بإذا ما كانت سوريا ستكيف موقفها في حال بقاء حزب الله وإيران على عداء مع إسرائيل، فليس هناك من سبيل لمعرفة ذلك في وقت قريب، وسيتحدد ذلك بما ستقوم به سوريا من خطوات».
ولاحظ هوف أن الحضور الأميركي في محادثات التسوية بين سوريا وإسرائيل، التي يبدو أنها ستتواصل عبر تركيا، سيأتي «بتعامل سوري ـ إسرائيلي مباشر، كما أن التحسن الجذري في العلاقات السورية الأميركية يجب أن يكون نتاجاً لتسوية سورية ـ إسرائيلية».
ولأن عملية الانسحاب قد تأخذ عدة سنوات، فإن «تنفيذ مرحلة الاتفاق (المعاهدة)، سيكون من الأهمية بمكان، إن لم يكن أكثر أهمية، من صوغ بنود الاتفاق نفسه». لذلك فإن هوف يعتقد أنه إذا استطاع الطرفان التوصل إلى اتفاق على القضايا الثنائية، كترسيم الحدود وأمنها ومياهها والتطبيع، وتوقيع اتفاق سلام، فسيكون لديهما فرصة تقويم التنفيذ ومعرفة مقاصد الطرف الآخر. غير أنه لن يكون سهلاً على إسرائيل إعطاء سوريا الشرط الذي لا بد منه، وهو الانسحاب إلى خطوط الرابع من حزيران 1967، الذي يوصل سوريا إلى شاطئ بحيرة طبريا التي هي خزان المياه لإسرائيل.
غير أن هوف يعتقد أن سوريا قد تنظر في التخفيف من قلق إسرائيل بشأن الحدود الجديدة في وادي الأردن «بالموافقة على إيجاد محمية طبيعية في تلك المنطقة الحدودية من الوادي، وتكون مرتفعات الجولان تحت السيادة السورية».