تظهر المبادرات الأخيرة، التي قامت بها الدبلوماسية الأميركية، مدى الضرر الذي سبّبته السياسات المتهوّرة للإدارة الأميركية السابقةعقدت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، أمس، أول اجتماع رفيع المستوى مع روسيا، منذ تولّي الرئيس باراك أوباما السلطة في كانون الثاني، في مسعى لتخفيف التوتر بين البلدين والفوز بمساعدة موسكو في عدد من المواضيع، التي من الممكن التوصل فيها إلى نتيجة.
وتمحورت المحادثات بين كلينتون ونظيرها الروسي سيرغي لافروف، التي جرت على العشاء في جنيف، حول عدة مواضيع أهمها الدرع الصاروخية والملف النووي الإيراني، بالإضافة إلى مواضيع تجديد معاهدة الأسلحة الاستراتيجية، التي تنتهي في نهاية العام، وخفض الترسانة النووية ومكافحة القرصنة وتهريب المخدرات.
وهذا اللقاء الذي تأمل إدارة أوباما من خلاله تحسين العلاقات، بعد تراجعها إلى أدنى مستوياتها في عهد الرئيس الجمهوري السابق جورج بوش، هدف إلى إظهار جدية واشنطن في تعاملها مع موسكو، وللإعداد للقاء المقرر بين أوباما ونظيره الروسي ديمتري مدفيديف في قمة العشرين الاقتصادية في لندن أوائل الشهر المقبل.
وكانت كلينتون قد استبقت اللقاء بمقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، أكدت خلاله «أن واشنطن ترغب بفتح صفحة جديدة مع روسيا». لكنها شددت على أن روسيا يجب أن «لا يكون لديها حق الاعتراض أو التأثير على توسيع منظمة حلف شمالي الأطلسي»، مشيرةً إلى أن انخراط الولايات المتحدة مجدداً مع موسكو، لا يعني تخلّيها عن دعم حلفائها.
وقالت كلينتون «إن الاستعداد لتغيير طرق تعامل الغرب مع روسيا كان قراراً بالغ الأهمية. لكن لا تزال لدينا، على الجانبين، لائحة طويلة من المسائل يتعيّن السعي لإيجاد بعض مناطق التعاون حولها»، محمّلة الإدارة السابقة في بلادها جزءاً من مسؤولية تدهور العلاقات. وأضافت «كان هناك نهج مواجهة حيال روسيا، من قبل الإدارة الأميركية السابقة، قاد إلى تغيير سلوك روسيا، والسؤال عن مدى تأثير ذلك على تغيير موقفها يُعدّ سؤالاً مشروعاً».
وفي ما يخص الملفّين الإيراني والسوري، قالت كلينتون، التي من المقرر أن تتوجه إلى تركيا بعد انتهاء اجتماع وزراء خارجية «الأطلسي» في بروكسل، إن «الإدارة تشعر بأهمية الملفَّين. ونعتقد بأن هناك العديد من التحديات والتهديدات التي ورثناها، ويتعيّن علينا علاجها، ولكن هناك أيضاً العديد من الفرص». وأضافت «إننا نعمل بنشاط بالغ في ما يتعلق بالمفاتحات لأننا نسبر الأغوار. نحاول تحديد الإمكانات وفتح صفحة جديدة. ونبذل كل جهد ممكن لنزيد عدد شركائنا ونقلّل عدد أعدائنا».
وعلى مستوى آخر، دانت كلينتون استخدام الطاقة كأداة سياسية، وذلك بعد تهديد روسيا بقطع إمدادات الغاز إلى أوكرانيا في خطوة كانت ستضرّ بإمدادات الغاز إلى أوروبا.
وقالت كلينتون، أمام جلسة للبرلمان الأوروبي، «إننا قلقون من استخدام الطاقة كأداة للتخويف». وأضافت «نعتقد أن ذلك ليس في مصلحة إقامة نظام طاقة يعمل بطريقة أفضل وأفضل».
أما من الجانب الروسي، فقد سبق اللقاء تصريح للمتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية، أعلن فيه أن روسيا تشعر «بتفاؤل مشوب بالحذر» تجاه الاجتماع، في وقت أعلنت فيه موسكو استعدادها للتباحث مع واشنطن، حول الاقتراحات الأميركية لإعادة النظر في الدرع الصاروخية، فضلاً عن أساليب أخرى لمواجهة مختلف التهديدات العالمية.
وقال الناطق باسم رئيس الحكومة الروسية، ديمتري بيسكوف، في حديث إلى إذاعة «صوت روسيا»، «إذا أعادت الولايات المتحدة النظر في خطتها الأصلية الخاصة بنشر الدرع الصاروخية في أوروبا، أو إذا تلقينا عروضاً ملموسة أخرى من الولايات المتحدة تراعي مصالح موسكو، فسنعتبر ذلك إشارة ممتازة لأن هذا ما كنا نتحدث عنه منذ
البداية».
وكانت تقارير صحافية نفتها كل من موسكو وواشنطن، قد أشارت إلى رسالة سرية بعث بها الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى نظيره الروسي مدفيديف يقترح فيها التخلي عن نشر الدرع الصاروخية في أوروبا، مقابل مساعدة روسية في التوصّل إلى حل للملف النووي الإيراني.
بدوره، أبدى الكرملين استعداده لتوسيع نطاق التعاون، ويرى مسؤولون روس أنه ما لم يتمّ احتواء خطر «طالبان» في أفغانستان فقد يمتد نطاق التشدد الإسلامي ويصل إلى جمهوريات سوفياتية سابقة في آسيا الوسطى ومنها إلى روسيا.
وتجدر الإشارة إلى موافقة حلف شمالي الأطلسي على استئناف الروابط الرسمية مع روسيا، على أمل الحصول على دعم أكبر من موسكو للحملة العسكرية التي يقوم بها الحلف في أفغانستان، التي قد أمّنت الأرض الخصبة لهذا اللقاء.
(رويترز، يو بي آي، ا ب)