واشنطن ــ محمد سعيديتوقع أن يلقي الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي خطاباً، الأسبوع المقبل، يتناول فيه اعتزامه إعادة فرنسا إلى عضوية القيادة العسكرية لحلف شمالي الأطلسي، منتهزاً مناسبة الاحتفال بالذكرى الستين لإنشاء الحلف التي ستقام يومي الثالث والرابع من نيسان المقبل، على الجسر الرابط بين مدينتي ستراسبورغ الفرنسية وكيهل الألمانية.
ويرى خبراء ومحللون أن هذه العودة تأتي ثمرةً لضغوط الولايات المتحدة ودول أوروبية على فرنسا، بعد غياب دام 43 عاماً أبقت خلالها باريس على عضويتها في القيادة السياسية للحلف في عهد الرئيس الراحل شارل ديغول في عام 1966 بدعوى الحفاظ على استقلالية القرار العسكري الفرنسى والسياسة الخارجية الفرنسية عما وصفه حينذاك بالهيمنة الأميركية على الحلف، إلى جانب خشية ديغول آنذاك من انجرار فرنسا رغماً عن إرادتها إلى الصراع مع الاتحاد السوفياتي (السابق)، كما كان يأمل ببناء دفاع أوروبي مشترك.
غير أن رغبة ساركوزي في العودة تواجه معارضة داخلية، إذ ترى جميع أحزاب المعارضة في فرنسا، إلى جانب عدد من قيادات الحزب الحاكم، أن العودة ستلحق الضرر بمصالح فرنسا وبصورتها في العالم، وخصوصاً في منطقة الحوض العربي ـــــ الإسلامي ودول الجنوب بصفة عامة.
ويخشى الفرنسيون من أن تؤدي العودة إلى توريط باريس في عمليات عسكرية في دول الجنوب، التي اعتادت أن ترى فرنسا دولة مستقلة عسكرياً وسياسياً عن الولايات المتحدة. غير أن مسؤولين وخبراء يعتقدون بأن إعادة دمج فرنسا عضواً كاملاً في هيكل الحلف لن يكون له تأثير عملي كبير، إذ إن باريس ساهمت منذ فترة طويلة بتمويل الحلف، وهي تعدّ رابع مشارك فيه من حيث عدد القوات، فيما تحتل المرتبة الخامسة على قائمة أكثر المساهمين في ميزانيته، بمساهمة قيمتها نحو 140 مليون يورو سنوياً.
يذكر أن الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك كان قد وافق على مشاركة فرنسا في المهام العسكرية لحلف الأطلسي طوال فترة حكمه، التي بلغت 14 عاماً، من دون أن يصدر مع ذلك قراراً رسمياً بعودة فرنسا إلى القيادة العسكرية المدمجة للحلف. كذلك فإن فرنسا شاركت في قوات الحلف في كوسوفو، ثم في أفغانستان.
وإدراكاً منها للوضع الصعب الذي يواجهه ساركوزي، قامت واشنطن بحملة لامتصاص غضب المعارضين في فرنسا، سواء كانوا من المنتمين لأحزاب المعارضة أو من المؤمنين بأفكار ديغول داخل صفوف حزب يمين الوسط الحاكم.
وقد ارتكزت الحملة الأميركية أساساً على اقتراح منح فرنسا مناصب قيادية عسكرية استراتيجية تقترب بها من مستوى المناصب القيادية التي يشغلها أميركيون داخل الحلف. كما أرسلت حكومة الرئيس الأميركي باراك أوباما الأمين العام لـ«الأطلسي»، ياب دي هوب شيفر، إلى باريس لإقناع المتحفّظين من الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة بالفوائد التي ستجنيها فرنسا جراء عودتها.
وأفادت أنباء أن الولايات المتحدة عرضت على فرنسا تولّي إحدى أهم قيادتين استراتيجيّتين للحلف، وهي «قيادة التحالف المكلفة بالتغيير»، ويترأسها حالياً الجنرال الأميركي جيمس ماتيس. وتتميّز هذه القيادة الاستراتيجية، التي تتخذ من نورفولك بولاية فيرجينيا الأميركية مقراً لها، بأنها تتولى عمليات تحديث وإصلاح ورسم استراتيجيات حلف «الأطلسي». كذلك عرضت واشنطن أيضاً أن يتولى جنرال فرنسي القيادة الإقليمية للأطلسي في مدينة لشبونة، حيث تتمركز قوة التدخل السريع للحلف.
وكان ساركوزى قد وضع ثلاثة شروط لعودة فرنسا إلى القيادة العسكرية، أولها عدم المساس بسيادة القرار العسكري الفرنسي واستقلاليته، وبالسياسة الخارجية، وثانياً زيادة ثقل الدور الأوروبي داخل الأطلسي، وأخيراً منح فرنسا مناصب قيادية تتناسب مع ثقلها الأوروبي والدولي.
وكان زعيم حزب الحركة الوطنية، الذي ينتمي إلى الوسط، فرنسوا بايرو، أول من أعطى إشارة بدء الهجوم على ساركوزي، واصفاً العودة بأنها ستكون «ذهاباً بلا عودة». وحذّر من أن فرنسا سوف تخسر أحد أهم مكونات هويتها وجانباً كبيراً من إرثها بانحيازها إلى الموقف الأميركي.
كذلك أطلق الحزب الاشتراكي حملة شرسة للمطالبة بنقاش في البرلمان ينتهي بطرح قرار ساركوزي للتصويت بوصفه قراراً خطيراً بالنسبة إلى السياسة الخارجية الفرنسية. ويتمسك الحزب الاشتراكي بالتصويت لإدراكه بأن عدداً من نواب الحزب الحاكم يعارضون قرار ساركوزي.
ويرى خبراء ومسؤولون أن قرار عودة فرنسا إلى «الأطلسي» شريكاً كاملاً له معان كبيرة على الصعيدين السياسي والنفسي لأعضاء الحلف، إذ سينهي جدلاً استمر عقوداً بأن باريس تقود أوروبا لمنافسة الولايات المتحدة في الشؤون العسكرية. لكن الخبراء يعتقدون بأن استعادة فرنسا لعضويتها لا تمنع وجود مسائل جدية تحتاج إلى نقاش بين واشنطن وحلفائها على قضايا مثل أفغانستان، وكيفية التعامل مع روسيا بشأن تشجيع أوكرانيا وجورجيا للانضمام إلى الحلف.