فيما كانت السعودية تقدّم مبادرتها للسلام عام 2002، قامت كتائب القسّام بعملية نوعية في نتانيا، حملت رسالة واضحة بأن المقاومة مستمرة رغم مبادرات التسوية
معمر عطوي
ثمة قناعة واضحة بأن المبادرة العربيّة للتسوية، التي اقترحها الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز (كان آنذاك ولياً للعهد) في قمة بيروت للدول العربيّة عام 2002، ولدت ميتة. قناعة تجلّت في أوضح صورها خلال معركة غزة الأخيرة، حين برزت أصوات رسمية لأول مرة تهدّد بسحب المبادرة أو تعديلها.
وذهب الرئيس السوري بشار الأسد، خلال قمة الدوحة الطارئة حول مجازر غزة في كانون الثاني الماضي، إلى القول إن «المبادرة العربية نعتبرها بحكم الميتة. قُتلت من قبل إسرائيل. بقي علينا نقلها من سجّل الأحياء إلى سجّل الأموات».
وتماهت القمّة، التي لم يكتمل نصابها، مع موقف الأسد، حين دعت إلى «تعليق» المبادرة و«وقف كل أشكال التطبيع مع الدولة العبرية وإعادة النظر في وجود بعض المكاتب التمثيلية الإسرائيلية في بعض العواصم العربية».
غير أن الخطابيّة الحماسيّة هذه لم تصل إلى مستوى إحداث تحوّل يعيد العرب إلى العمل باستراتيجيتهم التي أعلنوها في مؤتمر الخرطوم عام 1967، والذي اشتهر بمؤتمر «اللاءات الثلاث»، لأنه نصّ على مبدأ «لا صلح، لا اعتراف ولا مفاوضات مع إسرائيل».
هذه اللاءات لم تمنع لقاءات سريّة بين بعض القيادات العربية وقيادات العدو، لتصل بعد ذلك إلى تسويات منفردة (كامب ديفيد 1979) ساهمت بفرط العقد العربي.
وعلى ما يبدو فإن الزعماء العرب أرادوا دائماً الخروج بأقل خسائر ممكنة في سبيل تجميد القضية الفلسطينية.
لهذا تحوّل العرب الذين وافقوا على مبادرة الرياض بوضوح لافت عمّا كانوا يعلنونه من قبل، علماً بأن قبولهم بقرار مجلس الأمن الدولي 242، كان أول خروج عن «اللاءات الثلاث»، وهو قرار يطالبهم بالاعتراف بإسرائيل.
اعتراف ظهر في مؤتمر مدريد في عام 1991، حين قبلت بعض الدول العربية التفاوض مع عدو الأمس، فيما توالى الإعلان عن تسويات منفردة؛ اتفاق السلام بين الأردن وإسرائيل في وادي عربة، واتفاق أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.
وفي بيروت عام 2002، بات التفاوض «خياراً استراتيجياً». إذ تم تعديل المبادرة وتبنّاها العرب ببنودها الأساسية، التي تحدثت عن إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود 1967 وانسحاب الاحتلال الإسرائيلي من هضبة الجولان المحتلة، مقابل الاعتراف بالدولة العبرية وتطبيع العلاقات معها.
واللافت أن قمة بيروت لم تحظ بالإجماع المطلوب، إذ حضر 10 زعماء من أصل 22. حضور ضئيل دفع البعض إلى وصف القمة بالعاجزة. بينما لقيت المبادرة تحفظاً سورياً ولبنانيّاً، تمثّل بإصرار دمشق على دعم الفلسطينيين في مقاومتهم المسلّحة، واعتراضها على استخدام تعبير «تطبيع» على اعتبار أن مسألة كهذه تعدُّ عرضاً سخياً جداً لإسرائيل، فيما عبّرت الحكومة اللبنانية عن قلقها من محاولات توطين الفلسطينيين حيثما وجدوا.
لكن هذا الإجماع تحقق رسميّاً في قمة الرياض للدول العربية عام 2007.
وجاءت أحداث قطاع غزة الأخيرة لتضع العرب أمام مفترق طرق صعب، فبرز الانقسام حول المبادرة من جديد.
فأثناء اجتماع وزراء الخارجية العرب الطارئ، الذي عقد في القاهرة لمناقشة العدوان على غزة، حذّر المجتمعون من أن المبادرة لن تظل قائمة من دون تجاوب حقيقي من إسرائيل مع طرحها وتنفيذها إلى جانب المرجعيات الدولية الأساسية الأخرى.
أصوات الرفض للمبادرة، التي وصفها الصحافي روبرت فيسك بـ«الجرذ الميت»، تعالت خلال أحداث غزة. فبعدما نعاها الرئيس السوري في قمّة الدوحة، وافقه الأمين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، بأن «مبادرة السلام العربية ماتت».
أمّا ليبيا فقد طالبت الدول العربية بسحب المبادرة، خلال بيان وزعته على هامش اجتماع المندوبين الدائمين لدى الجامعة في القاهرة، فيما اعتبر السودان أن إسرائيل ردّت على المبادرة بالقتل.
وبدا خلال الأشهر الأخيرة أن وضع المبادرة العربية كان متأرجحاً بين قمتي الدوحة والكويت، ففي الوقت الذي طالبت فيه «الدوحة» بتجميدها، جاءت «الكويت» بدعوات تؤكد ضرورة التمسك بها ومحاولة تطويرها، مرجعةً تعثّرها إلى التقصير العربي في خدمتها. هذا ما ذكره أيضاً الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي دعا إلى تطوير المبادرة، فيما حذّر الملك السعودي إسرائيل من أن «الخيار بين الحرب والسلام لن يكون مفتوحاً في كل وقت».