باريس ــ بسّام الطيارةشهدت باريس في اليومين الأخيرين «باليه دبلوماسياً» شارك فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس وزراء قطر حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، والمبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، جورج ميتشل. ثلاث شخصيات اجتمع بهم الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، في قصر الإليزيه واحداً تلو الآخر قبل أن يلتقيهم وزير الخارجية، برنار كوشنر، في إشارة لا يمكن إغفالها إلى أن «المبادرة الفرنسية»، التي أطلقها سيد الإليزيه، لا تزال فاعلة.
إلا أن الدخول في تفاصيل التصريحات والتسريبات يفيد أن حركة الدبلوماسية الفرنسية لم تعد «فقط» عملية تقطيع وقت بانتظار وضوح سياسة الإدارة الأميركية الجديدة، وهي ليست في الوقت نفسه محرّكاً لمبادرة يمكن أن تحلحل القضايا العالقة من دون انتظار «موقف صريح من أميركا»، وخصوصاً في غياب «صوت هيلاري كلينتون»، كما قال مصدر فرنسي مقرب من الملف.
رغم كل هذا، فإن ملامح «خطة فرنسية» بدأت ترتسم في أفق المتابعين. ويتفق غالبيتهم على أن ساركوزي يود أن يذهب بها إلى أقصى الحدود ما دامت الإدارة الأميركية لا «تكشف عن توجهاتها وعما تراه ممكناً أن يحل محل أنابوليس». ويشير أحد المصادر إلى أن بذور هذه الخطة بدأت قبل الحرب على غزة وقد «وُضعت في الثلاجة» خلال الأحداث الدموية الساخنة. ويشرح المصدر نفسه أن ساركوزي أدرك منذ وصوله إلى الإليزيه ضروة «العمل على حل شمولي لجميع مسائل المنطقة»، وذلك بالتخلي عن سياسة «مقاطعة أفرقاء محليين بمجرد أننا لا نتفق معهم». هذا ما يفسر الاعتماد على «الرافعة القطرية» في مختلف الملفات. إلا أن المصدر يعترف بأن ساركوزي راودته فكرة التخلي عن هذا «المسار الشمولي» خلال زيارته الأخيرة إلى مصر، فربط المبادرة الفرنسية بمبادرة مصرية لوقف إطلاق النار. ولم يبقَ من فكرة هذا المسار الشمولي سوى «إطلاق فكرة الدعوة إلى مؤتمر دولي»، التي سرعان ما نسيها الجميع.
إلا أن الأمور عادت وتغيرت بسبب ظهور عدد من العوامل، في مطلعها «سيطرة حماس على الأرض ومقاومتها»، ثم «البلبلة التي أحدثها شبه نجاح مؤتمر الدوحة»، وأخيراً «خطاب الملك السعودي عبد الله الذي نبّه باريس إلى إمكان نجاح العمل الشمولي المتكامل». ويقول المصدر إنه من هذه اللحظة «عادت الدبلوماسية الساركوزية» إلى مسارها الشمولي.
ويقول أحد المتابعين، تأكيداً لحديث المصدر، إن تل أبيب فهمت «هذه الانعطافة» الفرنسية وكان رد فعلها عنيفاً، وقد تمثّل في توقيف القنصل الفرنسي العام في القدس وعرقلة إدخال محطة لتنقية المياه إلى غزة. حتى إن الفرنسيين لم يستطيعوا أن «يخفوا دهشتهم واستنكارهم» من مقاطعة النائبين الفرنسيين في إسرائيل، رغم «الكلمات التخفيفية» التي استعملها الناطق الرسمي في رده على سؤال لـ«الأخبار»، واصفاً المقاطعة بأنها «عدم القدرة على تنفيذ برامج» النائبين.
وتجسّدت هذه الانعطافة أيضاً في الزيارة الأولى لمسؤول قطري إلى باريس منذ اندلاع الأزمة في غزة، إضافةً إلى خطاب عباس على درج الإليزيه، الذي قال فيه «ننظر إلى حماس على أنها جزء من الشعب الفلسطيني ولا بد أن نتحاور معها وأن نصل إلى حل معها، من خلال حكومة وفاق وطني وانتخابات».
وتؤكد المصادر أن ساركوزي يدفع السلطة الفلسطينية إلى «التقارب أكثر فأكثر مع حماس» وتجاوز الحساسيات وصولاً إلى تأليف حكومة «وحدة أو وفاق وطني».
ومن المعروف بأن باريس تسعى لدى شركائها الأوروبيين إلى رفع اسم «حماس» عن لائحة الإرهاب، إلا أن ممانعة بعض الدول يمكن أن تؤخر ذلك. وعلمت «الأخبار» من مصدر موثوق به أن «الحل الوسط» الذي يمكن أن يتوصل إليه الأوروبيون يكون بعدم رفع اسم «حماس» عن لائحة الإرهاب، مقابل الاعتراف بأي حكومة يتفق عليها الفلسطينيون، والكف عن «شروط سياسية للتخاطب مع حماس»، والاكتفاء بالشروط العامة المتعلقة بالإرهاب.
وخلال وجوده في باريس، سألت «الأخبار» عباس عن شروط العودة إلى طاولة المفاوضات، فأجاب «لقد استقبلنا المبعوث الأميركي جورج ميتشل قبل يومين وتحدثنا معه عن رؤيتنا للعملية السياسية وعن تقريره الذي أصبح جزءاً لا يتجزأ من خريطة الطريق»، متابعاً «ننتظر خطوة أساسية يجب أن تقوم بها إسرائيل، هي وقف الاستيطان». وشدد على أن هذا هو «المؤشر الأول الذي يجب أن نبني عليه» أي عودة إلى المفاوضات.
وفي اللقاء الصحافي الذي عقده عباس إلى جانب كوشنير، أعاد أبو مازن التذكير بالمبادرة العربية، مشدداً على أن «كل الدول الإسلامية والعربية سوف تعترف بإسرائيل» إذا انسحبت من جميع الأراضي العربية المحتلة. وأعلن ثلاث «نقاط» يرتكز عليها ما يمكن أن تؤول إليه العملية السلمية، وهي «التوافق الفلسطيني ونتيجة الانتخابات الإسرائيلية، إضافةً إلى ما يمكن أن تخطط له الإدارة الأميركية»، مستطرداً ومحذراً من ضرورة «ألّا تعيدنا الحكومة الجديدة إلى نقطة الصفر».