بدأت الأزمة الماليّة في الولايات المتحدة، وتسلّلت بقوة إلى الدول الأوروبية، وبعدها إلى بقية دول العالم. أما روسيا فظلت تكابر وتنفي تداعياتها، إلى أن فُضح أمرها، واعترف سياسيوها بخطورة الوضع الاقتصادي، الذي بدأ ينعكس على دورها في الشرق الأوسط
ربى أبو عمو
كانت روسيا شبه غائبة خلال العدوان الإسرائيلي على غزة. اقتصر دورها على إرسال نائب وزير خارجيتها، ألكسندر سلطانوف، إلى المنطقة لإجلاء المواطنين الروس بصورة أساسية.
الغياب لا يتماشى مع الصعود الروسي الأخير، الذي أعقب الحرب على جورجيا، التي مكّنتها من تحديد خطوط نفوذها الحمراء. وظهرت أمام العالم بصورة تلك الدولة الكبرى التي تستعيد نفوذها في طريقها إلى الدولة العظمى.
وأعدّ رئيس الوزراء فلاديمير بوتين، «باني روسيا الحديثة»، مشروعاً يفترض أن يحقق لموسكو هذه الغاية في عام 2020، حتى جاءت الأزمة الاقتصادية، إضافة إلى اختلاف الأولويات الروسية.
يقول مصدر مطلع على الملف الروسي، رفض الكشف عن اسمه، إنه «ليس لروسيا أي اهتمامات في أن تستعيد دور الاتحاد السوفياتي في الشرق الأوسط، بل إن تركيزها ينصبّ الآن على التقرب من الولايات المتحدة، وخصوصاً أن العلاقة بين روسيا والديموقراطيين لطالما كانت أكثر توتراً من الجمهوريين».
ويتابع المصدر أن «الأزمة الاقتصادية بدأت تفتك بروسيا، وخصوصاً أن حرب جورجيا أدت إلى هروب العديد من المستثمرين الأجانب، فضلاً عن أن النمو الاقتصادي الهائل الذي حققته منذ عام 2000، ارتكز أساساً على ارتفاع أسعار النفط.
واليوم، بعد هذا الانخفاض الهائل في أسعار النفط، تبين أن الاقتصاد الروسي هشّ لعدم وجود آلية إنتاجية قادرة على الحماية».
وبدأ هذا التراجع الاقتصادي يظهر أكثر فأكثر إلى العلن، مع إعلان رئيس دائرة العمل الاتحادية الروسية، يوري جيرتسي، «ارتفاع عدد الروس العاطلين من العمل إلى ستة ملايين في كانون الأول الماضي، مقارنة مع خمسة ملايين في تشرين الثاني الماضي».
من هنا، يوضح المصدر أن «تفاقم الأزمة الاقتصادية في روسيا، جعلها مشغولة عن الأزمات التي يواجهها الشرق الأوسط، إضافة إلى أنها لم تعد معنية بها. وكلما ازداد وضعها المالي سوءاً، انخفض دورها ونفوذها السياسي في العالم أجمع». وتطرق إلى ملف أكثر حساسية، مفاده أن «الفساد المستشري داخل الكرملين، سيتجلى أكثر في هذه المرحلة، لكون القادة الروس سيحاولون استغلال الأزمة لتعبئة جيوبهم قبل حلول الخسارة الكبرى».
في السياق، قالت رئيسة القسم الدولي في صحيفة «بريما نوفوس» الروسية، سوبونيا لينا، لـ«الأخبار»، إن «الحرب على غزة أثبتت عجز الوسطاء الدوليين عن حل قضية الشرق الأوسط، نتيجة عدم وجود مشروع ملموس لهذه المنطقة، مشروع الحل النهائي». وعن موقف روسيا من المذنب في هذه الحرب، تلجأ أولاً إلى الدبلوماسية لتقول إنه «في وقت الحرب، لا يوجد بريء أو مذنب»، رغم اعتبارها أن «الرد الإسرائيلي كان مفرطاً»، مضيفة أن «روسيا تحمّل حماس مسؤولية الحرب بسبب رفضها الذهاب إلى القاهرة للحوار مع فتح وصولاً إلى تحقيق مصالحة فلسطينية». وتتابع: «وقتها قالت روسيا إن حماس ارتكبت خطأً سياسياً كبيراً».
لكن لماذا كانت روسيا عاجزة عن وقف هذه المذبحة؟ تعترف لينا بأن «الدور الروسي بات محدوداً، ويقتصر على تقديم المساعدات الإنسانية والضغط على إسرائيل، لكن من دون فائدة. فقد اختلفت موازين القوى، كذلك فإنّ إمكاناتها الاقتصادية محدودة، فضلاً عن مشاكلها الكثيرة».
أما لجهة موقف روسيا من المقاومة عموماً، فتشرح لينا أن «موسكو باتت ترى أنّ للمقاومة أساليبها، وباتت تراهن على الدبلوماسية بعد اتفاق أوسلو»، حتى إن انفتاحها على حركة «حماس» بدأ بالتراجع في الفترة الأخيرة.
والأزمة الاقتصادية كانت أيضاً السبب في إغلاق كل مكاتب وكالة الأنباء الروسية «ريا نوفوستي» في العالم العربي، إلا في سوريا، باعتبارها الدولة الأقل كلفة على الصعيد المادي. توجه يعكس مدى تراجع الاقتصاد الروسي، واستبعاد الشرق الأوسط من سلم أولويات روسيا.
حتى إن عزم روسيا على بناء ثلاث قواعد عسكرية بحرية في كل من جزيرة سوقطرة في اليمن، وطرطوس في سوريا، وطرابلس الغرب في ليبيا، والهالة العسكرية التي ترافق روسيا في إنجازها هذا المشروع لجهة نفوذها السياسي مقابل الولايات المتحدة، يبدو مؤجلاً.