أرنست خوريليس سرّاً أنّ عصابات «إرغينيكون» التركيّة، تأسّست في مرحلة الحرب الباردة، بإرادة «حلف شمال الأطلسي» وتنظيمه وتخطيطه، كخلايا إرهابيّة في قلب المؤسسة العسكرية التركية، لإحباط أي أمل بوصول الشيوعيين إلى السلطة، من طريق تصفيتهم الجسديّة.
وليس سرّاً أيضاً، أنّ هذه العصابات لم تكن سوى نسخة تركيّة لخلايا «غلاديو» التي عمل الحلف الأطلسي على إنشائها في عدد من الدول، التي كان وصول الشيوعيين إلى حكمها، يعني ببساطة، سقوط العالم في القبضة الحمراء.
لكن أن يكون ذلك معروفاً، شيء، وأن يبادر مدّعٍ عامّ تركي سابق، إلى تأكيده وجزمه شيء آخر تماماً. فكيف الحال إذاً، لو أرفق غولتكين أفشي شهادته، باتهام الحلف، بعدم مساعدة القضاء التركي على مسك خيوط «إرغينيكون».
في مقابلة مع صحيفة «توداي زمان»، نُشرَت أمس، أكّد أفشي أنّ الحلف الأطلسي لا يزال يحتفظ في سجلاته حتى اليوم، بأسماء جميع قياديي «إرغينيكون». أسماء شدّد القاضي المتقاعد على أنها محفوظة في قيادة استخبارات الحلف في واشنطن ولندن، مشيراً إلى أنّ القيادة الحاليّة لا تتعاون مع سلطات أنقرة للتسريع في حملة القضاء على هذه الخلايا المدنية والعسكرية الملاحقة.
واختصر الرجل اتهامه للحلف الغربي بالقول: «لو أرادوا مساعدتنا، لكانوا قد أسهموا جدياً في تسريع التحقيق والمحاكمة»، بهدف طيّ تلك الصفحة السوداء من تاريخ تركيا الحديث والمعاصر.
والحملة التي أطلقها القضاء التركي في عام 2007، قفزت خطوات نوعية، بعدما أُلقي القبض على عشرات الجنرالات والقضاة والصحافيين ورجال الدين والأعمال والسياسة الذين نقلوا بندقيّتهم منذ سقوط جدار برلين. ومنذ ذاك التاريخ، نفّذوا عمليات إرهابية ضدّ عدوّ جديد اسمه «أعداء الداخل»، من إسلاميين وأكراد وليبراليين وشيوعيين بعيدين عن الشوفينية التركية. والحملة المذكورة، فُتحت قبل أيام من موعد انقلاب كانت «إرغينيكون» تخطّط لتنفيذه على «عدو الداخل»، أي حكومة رجب طيب أردوغان. ويلفت أفشي إلى أنّ أساليب عمل «إرغينيكون» وطريقة تنظيمها وأيديولوجيتها، هي نفسها التي عمل الحلف على زرعها في جيوش جميع الدول الأوروبية التي كان الخطر الشيوعي يحوم فوقها. استراتيجية تقوم على السيطرة على كبار الجنرالات، الذين يستقطبون مجموعة من النخبة المدنية، في السياسة وعالم الأعمال والإعلام والدين.
ومن الجديد النوعي الذي كشف عنه أفشي، إشارته إلى أنّ «إرغينيكون» كانت مدعومة منذ ولادتها، من كبريات المحافل الماسونية، تماماً كما كانت حال خلايا «غلاديو» في إيطاليا، التي كان عرّابها المحفل الماسوني «ب2»، مكرّراً امتعاضه من عدم تعاون الحلف مع الادعاء التركي، إذ «لو أنّ الحلف يشارك قضاءنا معطياته، لكان قدّم لنا مساعدة كبيرة في التحقيقات».
ويبحر أفشي في تفاصيل أوجه الشبه بين العمل العسكري لـ«إرغينيكون»، وتكتيكات الخلايا الإرهابية المماثلة في الدول الأخرى مثل إيطاليا، معرباً عن ثقته بأنّ الأراضي التركية، لا تزال تحتضن 200 «قبر ألغام» حتى اليوم.