احتجاجات ما وراء البحار تنتقل إلى شوارع باريس... والأكاديميّون يهدّدون بشلّ الجامعاتباريس ــ بسّام الطيارة
يستعد الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، للمرّة الثانية إلى إجراء مداخلة تلفزيونية بعد أيام على مداخلته السابقة التي أشارت الاستفتاءات إلى «أنها لم تؤثر في الرأي العام». إلا أن «متاعب ساركوزي» لا تتوقف عند عتبات الأزمة المالية، وإن كانت تتأثر وتتفاقم بها؛ فهي تبدأ بالتشقّق السياسي في الأكثرية الحاكمة، وتمرّ بتراجع الثقة بالإجراءات المالية لصدّ تأثيرات التراجع الاقتصادي، لتنتهي بنوع من «ثورة التذمّر الاجتماعي»، الذي يضرب موعداً بعد الآخر للتظاهر وتنظيم المسيرات.
الجديد هو أن ظاهرة التذمّر والتململ الاجتماعي لم تعدّ محصورة بـ«أراضي فرنسا الأوروبية»، بل بدأت تمسّ «أراضي ما وراء البحار»، وهي محافظات بقايا الاستعمار في القرون الماضية، التي فضلت البقاء في حضن «الوطن الأم»، رغم وجودها على بعد آلاف الأميال البحرية شرقاً أم غرباً.
إحدى أهم هذه المقاطعات البعيدة، هي جزر الأنتيل، حيث تتصاعد حدّة التوتر في الغوادلوبّي والمارتينيك بعد مرور أكثر من أربعة أسابيع على بداية «إضراب عام مفتوح»، كان موجّهاً ضدّ غلاء المعيشة، وبدأ ينزلق رويداً رويداً نحو حالة فوضى غير مضبوطة رغم توعّد الحكومة بفرض «احترام القانون».
وقد أوفد ساركوزي وزير الدولة لشؤون ما راء البحار، إيف جيغو، إلى المنطقة لمعالجة الأمر وتعهّد بإبقائه «حتى إيجاد حل»، إلا أنّ هذا الأخير غادر «وسط العاصفة» كما يتهمه أكثر من ناشط.
واجتاحت تظاهرات كبرى، أمس، شوارع المدن الرئيسية في «الجزر البعيدة»، مستنكرةً خيار الحكومة استعمال القمع، في إشارة إلى وصول كتائب شرطة من أجل قمع التظاهر، إلى جانب رفعها شعارات مندّدة بـ «سيطرة الأقلية البيضاء على الاقتصاد المحلي»، ومنها شعارات يمكن أن تأخذ منحى بعيداً جداً عن إطار «المطالب الاجتماعية»، إذ ردّد المتظاهرون، وفي مقدّمتهم تجمّع مكافحة الاستغلال الذي يقوده الناشط، إيلي دوموتا، «غوادلوبّي لنا وليست لهم»، في إشارة إلى أحفاد المستوطنين الفرنسيين البيض وكبار الملاكين والمقاولين.
وبعد اتساع حركة الاحتجاج والإضراب المفتوح وتجاوزها المحيط الأطلسي لتصل إلى جزيرة «ريونيون» في المحيط الهندي، سارعت السلطات إلى مصادرة العشرات من محطات الوقود، لاستئناف توزيع البنزين، وأمرت بإعادة فتح أحد المتاجر الكبيرة في بوانت أبيتر في مطلع الأسبوع تحت حماية قوات الأمن.
وفيما يدعو الاشتراكيون إلى «الابتعاد عن العنف»، دانت النائبة في الحزب الراديكالي اليساري من غويانا الفرنسية (على حدود البرازيل)، كريستيان توبيرا، التي تشارك في التظاهر، «نظام النُخب». وقالت في تصريحات صحافية «إننا نكاد نخضع لنظام فصل عنصري اجتماعي»، مع نظام «تتحكم فيه نخبة في النفوذ الاقتصادي وتعبث به».
وركب زعيم «الحزب الجديد المعادي للرأسمالية» في باريس، أوليفيه بزانسونو، موجة السخط أيضاً. ونظم مسيرة، بدأت قليلة العدد لتنتهي بآلاف انضموا إليها خلال تقدّمها في شوارع العاصمة الفرنسية، استعداداً ليوم «الإضراب الكبير» في مطلع الأسبوع المقبل، ولم يتردّد بزانسونو بالقول إن «أهل الجزر يرشدوننا إلى الطريق»، في إشارة إلى إمكان «التشدّد في الحركة المطلبية والإضراب المفتوح» من أجل تحسين شروط إيجاد فرص العمل ورفع القوّة الشرائية.
ووصف التروتسكي، آلان كيرفين، تصرّف السلطات تجاه محافظات ما وراء البحار بأنّه «يحمل تلويناً استعمارياً»، مشيراً إلى أنّ «١ في المئة من السكان يملك ٥٥ في المئة من الأراضي و٩٠ في المئة من الثروة الصناعية»، مشدّداً على أن «لا أحد يقبل بمجتمع يسير بسرعتين مختلفتين».
ويتفق المراقبون على أنّ «عودة إطلالة ساركوزي التلفزيونية»، بعد أيّام معدودة من ظهوره السابق، تعني شيئاً، فهي تدل على أنّه قوّم خطورة الوضع وإمكان أن تتفشى نار السخط الاجتماعي وتخرج عن السيطرة، وتدخل حكومة فرنسوا فييون في دوّامة معالجة الأزمة المالية، التي تتطلّب ضخّ أموال في النظام المصرفي والنسيج الصناعي، بينما مطالب الشارع تقوم على ضخّ هذه الأموال، لرفع القوة الشرائية بهدف درء آثار هذه الأزمة.
وينتظر ساركوزي في الشارع أيضاً ملف التعليم العالي، فأساتذة الجامعات والباحثون ينفّذون إضراباً منذ أكثر من ٤ أسابيع، يصفه البعض بأنّه أكثر من نزاع، فهو «شرخ بين نموذجين». ورغم حصول ساركوزي على جائزة مؤسسة المتوسط الثقافية (المصرية) إلى جانب وزير الخارجية الإيطالي، ماسيمو داليما، والموسيقي، ريشار جاليانو، فإن الأكاديميين يستعدّون لتوسيع رقعة تحرّكهم في إضراب يشلّ الجامعات وينزلهم إلى الشارع.
وفي إشارة أخيرة، كُشف أخيراً أنّ حامل كأس العالم في كرّة القدم لعام ١٩٩٨، ليليان تورام، ذا الأصول المارتينيكية، رفض المنصب الوزاري الذي عرضه عليه ساركوزي بقوله «قد أدخل معترك السياسة ولكن ليس في عهد ساركوزي». إنها حقاً «سنة مشؤومة».