بول الأشقركان لغياب منظمة لدول أميركا اللاتينية، الأثر الواضح لعدم ظهورها كقوة إقليمية موحدة بعيدة عن التدخلات الخارجية، وخاصة لجارتها الشمالية، فكانت المنظمة الوحيدة التي تضم كل دول أميركا اللاتينية، إضافة إلى الولايات المتحدة وكندا، هي منظمة الدول الأميركية عام 1962، حيث كان تأثير واشنطن جلياً من خلال نجاحها في تجميد عضوية هافانا، بعدما اعتبرت الإيديولوجية الماركسية اللينينية «متعارضة» مع الانتماء القاري.
وفي الثمانينيات، تأسست «مجموعة ريو»، التي انتسبت إليها كوبا في تشرين الماضي، كهيئة استشارية أميركية لاتينية لمتابعة اتفاقية كونتادورا لوضع حد للحروب الأهلية في أميركا الوسطى. هذه المجموعة التي أثبتت السنة الماضية فعاليتها، بعد الغارة الكولومبية على معسكر من القوات الثورية الكولومبية المسلحة، «الفارك»، في الإكوادور من خلال منعها من أن يتحول السجال إلى حرب. هذا الأمر أظهر الضرورة الملحة لوجود منظمة لاتينية بعيدة عن التأثيرات الخارجية.
وفي كانون الأول، استغل الرئيس البرازيلي، لولا دا سيلفا، الوقت الضائع في نقل السلطة في الولايات المتحدة، لجمع أول قمة أميركية لاتينية في التاريخ. استُقبل فيها الرئيس الكوبي راوول كاسترو وقوفاً وتصفيقاً.
وكوبا تشهد، منذ تغيير الرئيس، عدداً من الانفراجات على صعيد علاقات هافانا الدولية، فقد رفع الاتحاد الأوروبي في حزيران العقوبات، التي كانت مفروضة منذ عام 2003، نهائياً، مبرراً خطوته بضرورة التقدم بالحوار بعد اعتزال فيديل كاسترو. بالإضافة إلى تصريحات راوول مراراً بأن كوبا مستعدة للتفاوض «من دون شروط مسبقة، باستثناء شرط احترام السيادة»، قابلها المسؤولون في واشنطن بعدد من الخطوات، أهمها إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما، في اليوم الأول من رئاسته، عن نيته إقفال سجن غوانتانامو الموجود على أرض كوبية محتلة منذ قرن. وقبل أيام، دعوة زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، ريتشارد لوغار، إلى استشارات في الخامس من آذار لإعادة تقييم السياسة إزاء كوبا التي «أثبتت فشلها الذريع طوال عقود».
أما على الصعيد الشعبي، فهناك الآن أكثرية من الأميركيين تريد طي صفحة حصار كوبا، ومن بينهم أكثرية من الـ«لاتينوس» ومن «الكوبيين» الشباب.
وما لم تسمح بالقيام به الفيضانات أو الأزمة المالية العالمية في الداخل، ساهمت فضائح الإدارة الأميركية المنتهية ولايتها في جعله ممكناً، لا بل راهناً في العلاقات مع الخارج. والكرة الآن في ملعب أوباما، وللخطوة الأميركية المنتظرة صلاحية محدودة، فشهر نيسان هو موعد «قمة الأميركيات» وأيار موعد قمة منظمة الدول الأميركية، وإذا أراد المبادرة فهذا هو الوقت المناسب.