تستقبل فرنسا عامها الجديد للمرة الثانية في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي، ولا يمكن الفرنسيين إلّا أن يلمسوا التغييرات الجذرية التي أدخلها العهد الجديد على وطنهم، والتي لا بد أن تترك أثراً بالغاً في حياتهم، سلباً أو إيجاباً
باريس ــ بسّام الطيارة
شهد عام ٢٠٠٨، إقحام نيكولا ساركوزي لحياته الشخصية في الواجهة السياسية؛ فبعدما شهدت فرنسا أول طلاق في الإليزيه في أول سنة من حكمه، أعقبته سلسة تحقيقات مصورة «مسرّبة عن قصد» دارت عن علاقته بكارلا بروني، انتهت بأول زواج لرئيس في الحكم. ولكون الفرنسيين لا يهتمون في العادة بالحياة الخاصة لسياسييهم مهما كان تلوينها، فقد وضع أكثر من مراقب موجة الانتقادات التي وجهت لساركوزي في خانة «رغبته في تلوين السياسة بشعبوية تعتمد على الصحافة الشعبوية»، على غرار نجوم الميديا. لكن يتفق الجميع على أن ساركوزي «فهم خطأً هذا المسار»، فتراجع.
وما طبّقه ساكن الإليزيه على نمط حياته، رفض إسقاطه على طروحاته السياسية. فالانتقادات التي أثارتها القوانين الإصلاحية الذي أطلقها منذ وصوله إلى الحكم، لم تُثنه عن المتابعة في تشريع ما خطّه في برنامجه الانتخابي. ويجمع المراقبون على أنه «يفعل ما قاله» حتى وسط معارضة متزايدة من نواب حزبه.
الانتقاد والمعارضة في صفوف حزب «التجمع من أجل أكثرية شعبية» لوّنا نهاية السنة الفرنسية، وهما ليسا محصورين بمؤيدي دومينيك دو فيلبان، الذي يتفق الجميع على أنه المنافس الضعيف ولكن الأول لساركوزي في الحزب. وهذان الانتقاد والمعارضة لساركوزي أدّيا إلى إحكام قبضته على مقاليد الحزب بتغيّر جذري في هرم قيادته، فأطاح أمينه العام باتريك دوفيدجان وعوّض عليه بكرسي وزاري بشكل جائزة ترضية، فيما سلّم الأمانة العامة إلى «وزيره المفضّل» كزافيه برتران، الذي يصفه البعض بـ«الرجل ذي الأنياب الطويلة» بسبب طموحاته التي جعلته يترك أكثر من رفيق درب للتقدم في صفوف الحزب. ويمكن هذا الاختيار أن يحفّز أكثر من «مفتاح مؤثر»، وفي طليعتهم فرانسوا كوبيه، لتأليف «نواة معارضة لساركوزي» في الحزب الذي أسّسه جاك شيراك. وإذا وضعنا جانباً ما يسميه البعض «السباق على ترشيح عام ٢٠١٢»، إذا عزف ساركوزي عن ترشيح نفسه مرةً ثانية كما لوّح في بداية عهده، فإنه توجد معارضة لسياسات الرئيس، إلّا أنها عاجزة عن توحيد جهودها في ظل غياب حزب كبير يقود المعركة، ونتيجة ضعف الحزب الاشتراكي.
وإذا وضعنا جانباً الاتهامات التي وجّهت إلى ساركوزي بتقديم «هدايا» للأثرياء المقربين منه، وهم أيضاً أصحاب مؤسسات صحافية ضخمة، يرى البعض أن قانون إلغاء الإعلانات من القنوات الحكومية المنافسة للقنوات الخاصة، التي يمتلكها هؤلاء الأثرياء، هي هدية تقدّر بمئات الملايين، بسبب انتقال ميزانيات إعلانية إلى الحقل الخاص، وإضعاف القنوات الحكومية. فيما الأزمة المالية وسياسة حصر النفقات تمنعان زيادة إسهامات الدولة في القنوات التي تملكها، ما قد يقود إلى إضعافها. وأثبتت عدة استفتاءات رفض المواطن الفرنسي لهذا القانون الذي أقرّته الأكثرية النيابية. وقد أعلن راديو «فرانس» الدولي منذ مدة، شد الحزام وإقفال ستة أقسام للغات كان يبثّها، كما أجرى رئيسه الجديد ألان بوزياك ومديرته التنفيذية «الصحافية المخضرمة»، كريستين أوكرنت، التي هي أيضاً زوجة وزير الخارجية برنار كوشنير، الوزارة المشرفة على مجموعة الإذاعات التي تبث للخارج، ما اعتبره البعض «تشحيلاً في قسم اللغة العربية» أطاح عدداً من الصحافيين تحت حجج متعدّدة»، واتهامات بأن ذلك يهدف إلى ضبط الإعلام الموجّه نحو منطقة الشرق الأوسط. كما ترفض أكثرية الفرنسيين قانوناً جديداً يجيز لساركوزي تعيين رؤساء مجالس المؤسسات الإعلامية، في خطوة وصفها عديدون بأنها «إجراء سوفياتي». وقد تفاقم التباعد بين الصحافة وساركوزي بعد عدد من الحوادث، مثل الضغوط التي مارسها حسب ما يقال لإزاحة رئيس تحرير «باري ماتش» لسماحه بنشر صورة مطلّقته سيسيليا على غلاف وهي تقبّل زوجها الجديد. وإلى جانب عملية شد الحبال مع الإعلام، يواجه ساركوزي نوعاً من «الحذر» بكل ما يتعلّق بقانون الهجرة ومعاملة المهاجرين، وهو حذر يعود إلى ما قبل انتخابه رئيساً، حين كان يحتل كرسي وزارة الداخلية. وحينها وضع أسس تسريع «طرد المهاجرين غير الشرعيين»، وهو ما سميّ آنذاك بسياسة «طائرات الشارتر».