ألقى الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بعد تنصيبه، خطاباً عرض فيه التحديات، مجدّداً وعوده بالانفتاح على «الأصدقاء والأعداء»، ومتجنّباً التطرّق إلى الملفات المُثيرة، إذ لم يذكر إسرائيل أو عملية السلام
واشنطن ــ الأخبار
مثّل خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما قطيعة واضحة مع تراث سلفه، جورج بوش، الذي استند إلى إيديولوجية المحافظين الجدد «السياسية والاقتصادية»، فدعا إلى فتح صفحة جديدة مع العالم الإسلامي، وتغيير النمط الاستهلاكي الذي ساد «فالعالم تغيّر وكذلك نحن»، وحمّل «الجشع» وزر الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
واستهل أوباما حديثه بالتذكير «بالعواصف التي تجتاح البلاد»، في إشارة إلى الأزمة المالية، مشيراً إلى المخاطر والتحديات التي تنتظر فترة رئاسته. وقال إن الولايات المتحدة تواجه إلى جانب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، «الناجمة عن الجشع وانعدام المسؤولية»، «شبكة من العنف والكره»، مضيفاً أن انحدار أميركا «لا يمكن إنكاره. وعلى الجيل المقبل أن يخفض تطلعاته» من دون أن يعد بحلول سحرية، لكن بحلول مختلفة لمشاكل مختلفة.
وتحدث أوباما صراحة عن نهاية ما وصفه بـ«العقائد المستهلكة التي سيطرت لفترة طويلة على سياسة بلاده». ودعا إلى «إعادة صياغة أميركا» تمهيداً لاستعادة النمو الاقتصادي المفقود «بالعلوم في الأماكن الصحيحة» في الطاقات البديلة.
وقال أوباما متوجّهاً إلى المسلمين «بالنسبة للعالم الإسلامي، نسعى لنهج جديد للمضي قدماً استناداً إلى المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل». وتعهّد بأن تترك الولايات المتحدة «بمسؤولية، العراق لشعبه، وتحقيق سلام ثابت في أفغانستان، والعمل بلا كلل مع الأصدقاء والأعداء السابقين لتقليل الخطر النووي».
وبشّر أوباما بعهد أميركي جديد، مشيراً إلى «أننا أمة من المسيحيين والمسلمين واليهود والهندوس والملحدين، نسيج من كل لغة وثقافة جاءت من كل أصقاع الأرض، ولأننا ذقنا مرارة الحروب الأهلية والفصل العنصري وخرجنا من هذا الفصل أكثر قوة ووحدة، فلا يمكننا أن نؤمن إلا بأن العداوات القديمة ستزول وخطوط الفرقة ستذوب وإنسانيتنا المشتركة ستكشف عن نفسها وأن أميركا ستضطلع بدورها الأكيد في بدء حقبة جديدة من السلام». كما دعا من سماهم «الطغاة الذين يتشبثون بالحكم» إلى فتح صفحة جديدة إذا عادوا إلى الصواب.
ودافع أوباما عن القيم الأميركية، قائلاً «لن نعتذر عن أسلوب حياتنا، ولن نتوانى في الدفاع عنها»، مؤكّداً أن «هذه المثل التي بذل الأجداد الدم للحفاظ عليها، هي التي تنير السبيل للعالم، لن نتخلى عنها». ووجه حديثه إلى من يسعون للدفع بأهدافهم من خلال «بث الرعب وذبح الأبرياء»، قائلاً «روحنا أكثر قوة ولا يمكن أن تنهار وأن الغلبة لن تكون لكم وسنهزمكم».
وتابع الرئيس الأميركي الجديد تقديم وعود بعهدٍ منفتح على جميع الأمم «من أعرق العواصم إلى أصغر القرى، حيث ولد أبي، التي تشاهد الأميركيين الآن». وأضاف «عليها أن تعلم أن أميركا هي صديق لكل أمة وكل رجل وامرأة وطفل ينشد مستقبلاً من السلام والكرامة وأنها جاهزة لتقود من جديد».
عهدٌ قال إنّه لن يواجه بالصواريخ بل بالعقيدة، مشيراً إلى أن «الأجيال الأولى من الأميركيين لم تواجه الفاشية والشيوعية بالصواريخ والدبابات فقط، بل أيضاً بالتحالفات القوية والعقيدة الراسخة وأدركت أن القوة وحدها لا يمكن أن تحميها أو تعطيها الحق في أن تفعل ما تشاء، بل أدركت أن القوة تزداد من خلال استخدامها بحكمة وحصافة». وأضاف أن «أمننا ينبع من عدالة قضيتنا».
وصبغت خطاب أوباما نفحة إصلاحية من أجل عالم «مغاير، أكثر عدالة، إذ تعهد بالعمل مع الشعوب الفقيرة لإنعاش مزارعهم وتوفير المياه النظيفة لهم، وإطعام الأجساد الهزيلة وتغذية العقول الجائعة». ودعا الدول التي «تتمتع برخاء نسبي إلى التوقف عن اللامبالاة بمن يعانون على الحدود معها»، مؤكّداً أنه «لا يمكنها أن تواصل استهلاك موارد العالم دون الاعتبار لآثار ذلك لأن العالم قد تغير، وعلينا نحن أيضا أن نتغير».
كما دعا إلى بدء عهد جديد من المسؤولية، وإلى أن يدرك كل أميركي أن عليه واجباً نحو نفسه وأمته ونحو العالم، مشيراً إلى أن هذا هو الثمن المتوقع من المواطنة، وأن هذا ما جعل رجلاً مثله لم يكن أبوه يتوقع تلبية طلب له في أحد المطاعم منذ نحو 60 عاماً يقف اليوم أمام هذه الملايين ليؤدي «أقدس قسم».
ولم يذكر أوباما في خطابه إسرائيل ولا الحرب التي وضعت أوزارها للتوّ في قطاع غزة، كذلك لم يذكر الحرب على الإرهاب إلا من باب عام.