يبدو أن الجدال الذي دار في مجلس الأمن في أجواء العمل على وقف الحرب الشرسة على غزة، قد شهد في كواليسه العديد من الخلافات، في ظل اصطفافات عربية ودولية، بلغ النقاش في ما بينها ذروته، حتى بات يصح القول إن المواجهة باتت عربية ــ عربية
نيويورك ــ نزار عبود
كشف مسؤول في الأمم المتحدة، في حديث خاص لـ «الأخبار»، أن «إسرائيل أوقفت الحرب فقط من أجل ألّا تحرج الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما، عشية أدائه القسم، ولكي لا تضع نفسها في مواجهة معه في الساعات الأولى من عهده».
وأضاف المسؤول، مفضّلاً عدم نشر اسمه، أن «القتل الجماعي الذي مورس بحق المدنيين العزّل كان محسوباً بعناية ودقّة بقصد تحقيق صدمة كبيرة في النفوس، ودب الرعب في قلوب السوريين واللبنانيين والإيرانيين والأردنيين والمصريين أيضاً، وتأكيد حال العجز العربي في مقارعة الاحتلال».
لكن المسؤول الأممي أعرب عن دهشته لقدرة غزة على الصمود رغم ما لحق بها من بطش. وقال إنه «لا يستطيع أن يقارن ما حدث في غزة بأي شيء آخر في العالم». وأعرب عن خشيته من أن الحرب لم تنته.
كذلك، تحدّث عن حال من الإحباط تسود أجواء الأمم المتحدة بعد المبادرة التي تقدمت بها كتلة عدم الانحياز في الجلسة الطارئة العاشرة للجمعية العامة في منتصف الشهر لانتزاع قرار شديد اللهجة. وحظي الموقف بدعم قوي من رئيسها ميغيل ديسكوتو بروكمان، «البغيض» على قلوب الإسرائيليين.
بروكمان تلقى أشد طعنة من المجموعة العربية، التي أدت في نهاية المطاف إلى الخروج بقرار مصري ـــ فلسطيني لا يتعدّى إطار دعم قرار مجلس الأمن الدولي 1860 «المخادع»، بحسب المسؤول نفسه، الذي أشار إلى أن بروكمان أنهى الجلسة التي دامت 48 ساعة بالقول «ما كنت أتصور أن الأمم المتحدة بهذا المستوى من التردي».
وكان بروكمان يطالب في المشروع الأول الذي قدمته الإكوادور بإدانة إسرائيل وفرض فتح المعابر وإنهاء الحصار ومحاسبة المسؤولين الإسرائيليين عن المجازر وملاحقتهم في المحاكم الدولية. لكن المندوب الفلسطيني رياض منصور، ومعه مندوب مصر ماجد عبدالفتاح، أصرّا على أن يكون القرار يتمتع بأكبر قدر ممكن من الإجماع، وهذا يعني تقبّل التعديلات الأوروبية التي حمت إسرائيل من أي إدانة ضمنية أو مباشرة. وخرج بروكمان من الجلسة مذهولاً وقال في إحدى الجلسات الخاصة «ما كنت أتوقّع أن تأتيني الطعنة من مندوب فلسطين».
مندوب ليبيا جاد الله عزوز الطلحي، الذي قدم استقالته من منصبه بعد معركة لم يتحملها مع مندوبي مصر وفلسطين، قال لـ«الأخبار»، «استُدعيت إلى هذا المنصب من التقاعد، وسأعود إلى التقاعد».
دبلوماسي عربي آخر قال إن «أصعب ما في هذه المعارك الدولية الخنجر الصديق المتربّص بك من الخلف. وهذا يشمل أحياناً طعناً من العواصم ووزارات الخارجية التي تفسد ببرقية واحدة جهوداً دامت أسابيع».
في الصراع الجديد، تبدلت قواعد الاشتباك الدبلوماسي حتى على مستوى الدول الخمس الدائمة العضوية. في أزمة غزة، برز موقف روسي مشابه لـ«قوى الاعتدال» العربي؛ فموسكو التي تراقب الموقف في غزة، تستذكر أحداث الشيشان وتتوجّس خيفة من صعود نجم تنظيمين إسلاميين مثل «حماس» و«الجهاد» ولديها نحو تسعة ملايين مسلم روسي ملتزم، بينما يُعد الإسلام الأسرع نمواً في جمهوريات الاتحاد الروسي.
لا يعبّر الروس عن ذلك صراحة، لكن نائب المندوب الروسي قسطنطين دولغوف يكتفي بالقول «لدينا مليون روسي في إسرائيل لا يمكن تجاهلهم، ونحن نخشى أن يؤثّر الصراع على مشروع التسوية في المنطقة وعلى مؤتمر موسكو المزمع عقده هذا العام، ربما في نيسان المقبل».
آخرون يرون أن موسكو تريد بدء عهد شراكة جديد مع إدارة أوباما بعدما فشلت في إحراز أي تقارب حقيقي مع إدارة جورج بوش. وهي في وضع اقتصادي يزداد سوءاً، ويهدد استقرارها الاجتماعي.
أما الموقف الصيني، فلا يختلف كثيراً. هناك مقاطعات إسلامية صينية يقدّر عدد سكانها بعشرين مليوناً ذات طموحات استقلالية.
من جهته، مندوب تركيا، باكي إلكين، العلماني الأتاتوركي، الذي لا يشاطر رئيس وزرائه رجب طيب أردوغان مواقفه، ينقل الرسالة بالحد الأدنى من الالتزام والحماسة. ويقول الدبلوماسيون عنه إنه غير مقتنع بتعليمات حكومته.
أما مندوب النمسا، توماس ماير هارتينغ، فمواقفه داعمة بقوة لكل المواقف الأميركية ـــ الإسرائيلية، فيما الباقون إما غير معنيين أو متحيزين لمصالحهم وراء الولايات المتحدة. وعليه بات من السهل على الدول الغربية أن تمرر قراراتها وبياناتها بأقل جهد ممكن.