أجرى الحوار حسام كنفاني
• 4 تغييرات أدّت لانتخاب أوباما
• حلّ قضيّة فلسطين بات أصعب من قبل
• انتظروا لوبي عربيّاً خلال عشر سنوات
• يجب معاقبة طرفي النزاع الفلسطيني

يقدّم المؤرخ الأميركي، الفلسطيني الأصل، البروفسور رشيد الخالدي، الذي برز اسمه في الحملة الانتخابية الأميركية لعلاقة الزمالة التي ربطته بباراك أوباما، قراءة أوليّة بالتغيرات التي أدت إلى انتخاب المرشّح الأسود، ومدى قدرته على تحقيق وعوده، وخصوصاً في ملفات الشرق الأوسط

ما هي التغيّرات في المجتمع الأميركي التي أدت إلى انتخاب باراك أوباما؟
- هناك تغيّرات هائلة أدت إلى انتخاب أوباما، منها التغيّر في نظر الصغار لموضوع العنصرية والعرق. والدليل على ذلك أن أوباما فاز في ولايتي فرجينيا ونورث كاورلينا اللتين كانتا في صلب العصيان على الحكومة الفدرالية خلال الحرب الأهلية الأميركية، الذي كان من أجل الحفاظ على عبودية السود. وهذا يعدّ تغيّراً جذرياً في المجتمع الأميركي.
هناك تغيّرات أخرى، أساسها اتخاذ أوباما موقفاً علنياً وصريحاً ضد الحرب على العراق، منذ انطلاق حملته، بينما كان منافسوه في الحزب الديموقراطي، ومنهم جوزيف بايدن وهيلاري كلينتون، يتخذون مواقف مغايرة. وفوزه بترشيح الحزب دليل على اهتمام المجتمع بهذا الملف، إذ إنه من السنة الثانية للحرب، أي منذ صيف عام 2004، أصبحت أكثرية الشعب الأميركي ضد الحرب.
أما التغيّر الثالث، فهو نهاية عهد النيو ليبرالية الاقتصادية. ومن الواضح أن أوباما فهم قبل غيره هذه المسألة حتى قبل الأزمة المالية الحالية. ومراجعة خطاباته تظهر أنه كان يقول إن هذه النظريات خاطئة وستؤدي إلى كارثة.
التغيّر الأخير، هو اهتمام أوباما بالعالم من منطلق يختلف قليلاً عن غيره من المرشحين، وربما غيره من الرؤساء. فالرجل عاش جزءاً كبيراً من حياته خارج الولايات المتحدة وله ارتباطات قربى مع أجانب، ما قد يكون له تأثير في تكوين نظرة مختلفة عن موقع الولايات المتحدة في العالم، ويفهم كيف أثرت سلبياً سياسة جورج بوش في صورة الولايات المتحدة في الخارج.

كيف ترى نظرة أوباما إلى الشرق الأوسط بعد انتخابه؟
- لنبدأ من العراق. كان واضحاً، حتى عندما كان عضو مجلس شيوخ ولاية الينوي، أنه كان يدري أهمية مسألة العراق، باعتبارها أولاً حرباً خاطئة. ثانياً أنها أثرت سلبيا على العراق والشرق والأوسط. وثالثاً أن إنهاء الحرب ضروري لتحسن الوضع في العراق. وهذا لا يزال موقفه، وتقديري أنه سينفذ برنامجه، لكن لا بد من تأثيرات لتكوين إدارته الجديدة، التي تضم رموزاً كانوا مؤيدين للحرب (بايدن وكلينتون وإبقاء روبرت غيتس وتعيين جيمس جونز).

كيف تتوقع سياسته نسبة إلى القضية الفلسطينية؟
- هناك أربعة أمور قد تؤثر في تعاطيه مع الملف. أولاً هو رجل يفهم في العالم، أكثر من معظم الرؤساء في الولايات المتحدة. طبعاً هناك رؤساء لديهم خبرة، مثل دوايت أيزنهاور وجون كيندي وجورج بوش الأب. لكن لأوباما تجربة شخصية من خلال حياته في الخارج ومن خلال عائلته.
ثانياً، هو يعرف ما هو الاضطهاد وما هو القهر باعتباره أسود. فعند ولادته قبل 47 سنة لم يكن للسود حق التصويت في الجنوب حتى مرور قانون الحقوق المدنية في ستينات القرن الماضي.
ثالثاً، هو أبدى علناً تعاطفه مع الشعب الفلسطيني باعتباره شعباً مسحوقاً، وهو ما يختلف فيه عن كل السياسيين الأميركيين. فمن النادر أن يعلن مسؤول أميركي هذا الموقف.
رابعاً، لقد أعلن أكثر من مرة أنه ينوي إعطاء أهمية لهذه القضية، وأشار إلى أن سبب ذلك هو أن موقف أميركا من الصراع العربي الإسرائيلي يسيء إلى سمعة أميركا في العالم أكثر من العراق والتعذيب.
ولهذه الأسباب أظن أنه سيهتم، لكنْ هناك أمر يجب أن نفهمه، فهذا الانسان ليس فقط ذكياً جداً جداً ومتعلماً وطليق اللسان، بل أيضاً هو سياسي فذ وماهر. فهو قبل أربع سنوات فقط كان عضو مجلس شيوخ ولاية ألينوي، أي ما يوازي مثلاً عضو مجلس بلدية في لبنان، فأصبح رئيساً للولايات المتحدة، وهذه ليست مسألة حظ أو ذكاء أو تعلم، بل فهم عميق جداً جداً للسياسة بكل معاييرها.
ولأنه ذكي سياسياً، فإنه يفهم التعاطي مع موازين القوة في الولايات المتحدة، وهي ليست لمصلحتنا كعرب وكمتعاطفين مع القضية الفلسطينية. وهذا الرجل لم يصل إلى الرئاسة ليخسرها عام 2012 بسبب اتخاذه مواقف لا يمكن أن تمر في ظل المعطيات السياسية الحالية في الولايات المتحدة.

أليس هناك تأثير للجالية العربية في الولايات المتحدة؟
- للأسف لا تزال الجالية العربية مشرذمة، وذلك للعديد من الأسباب، أهمها أن معظم العرب هم مهاجرون جدد، أي منذ ستينات القرن الماضي؛ فالولايات المتحدة أقفلت باب الهجرة لغير الأوروبيين منذ عام 1920 حتى الستينات. لذا فإن العديد من المهاجرين العرب لم ينخرطوا في المجتمع الأميركي، وحتى لا يتقنون اللغة الإنكليزية ولا ينتمون إلى أحزاب ولم يقرأوا الدستور، والكثير منهم لم يصوّت في حياته.
لكن أبناء هؤلاء المهاجرين، بدأوا ينخرطون أكثر في المجتمع عبر المؤسسات المحلية والشركات القانونية، التي لها تأثير كبير في الولايات المتحدة. وخلال فترة قريبة، ربما عشر سنوات، ستكون هناك جالية عربية أقوى بكثير أو ما يشبه اللوبي العربي.

إذا افترضنا أن هناك رغبة لدى الإدراة الجديدة بدفع عملية السلام، فما هي المعوقات في المنطقة، بدءاً من الوضع الفلسطيني؟
- هناك معوقات كثيرة، فلسطينية وإسرائيلية وسورية وإيرانية، لأن كل الأمور مرتبطة ببعضها بعضاً. أولاً الوضع الفلسطيني الداخلي من أسوأ ما يكون، ربما الأسوأ منذ النكبة، وذلك لأسباب عدة، منها الانقسام الداخلي، والتدخل الخارجي، وعدم وجود أي رؤية استراتيجية لأي طرف فلسطيني.
الوضع في إسرائيل ليس أفضل، فلا استراتيجية واضحة، سواء انتخب «الليكود» أو «كديما» أو «العمل». وهم لا يعرفون كيف يتعاطون مع الوضع الديموغرافي الفلسطيني داخل إسرائيل، مليون و400 الف فلسطيني أصبحوا قوة اقتصادية وسط نمو وعي سياسي وانتماء فلسطيني أكثر من أي وقت. ولا يدرون ماذا يفعلون في الاراضي المحتلة، فالاستيطان بات أقوى من الدولة، وخرق الجيش والوزارات وأجهزة الأمن. وهناك مصالح شركات. وبالتالي فك ارتباط إسرائيل بالضفة ليس سهلاً بسبب ارتباط مصالح مئات آلاف الإسرائيليين باستمرار الاحتلال.
الوضع صعب جداً، وخصوصاً إذا رأينا التدخلات الخارجية الأميركية والسعودية والسورية والإيرانية. تقديري ان معاجلة الإدارة الجديدة لكل هذه المعطيات يكون عبر التعاطي مع كل القوى في المنطقة في آن واحد، ولا سيما أن الأزمات العربية الإسرائيلية باتت بامتدادات أوسع بكثير مما كانت في السابق. وحل القضية بات أصعب بكثير مما كان عليه قبل عشرين سنة.

ماذا عن الانقسام الفلسطيني؟
إنه دليل على عدم وجود روح مسؤولية وعدم وجود روح وطنية لدى كلا الطرفين. أرى أنه من دون توحيد الصف من المستحيل تحقيق اي هدف إلا مكاسب سياسية ضيقة تضر المصلحة الوطنية. هم معنيون بتحقيق مصالح لـ«حماس» و«فتح» بغض النظر عن القضية، وهم غير مسؤولين ولا يستحقون تأييد الشعب.
الشعب الفلسطيني يدفع ثمن مناورات السلطة والحكومة المقالة. شعب غزة يدفع ثمناً باهظاً. وهناك تواطؤ للسلطة في الحصار من المستحيل أن نفهمه. الطرفان مسؤولان ويجب معاقبتهما أشد العقاب. لكن من الصعب أن يحدث ذلك بسبب قوتهما والدعم الخارجي لهما.

إلى أي مدى يستطيع أوباما الذهاب في الحوار مع سوريا وإيران؟
- بالنسبة إلى إيران اتخذ أوباما موقفاً شجاعاً نسبياً خلال حملته، فهو أصر على أنه مستعد لأن يفتح حواراً مع إيران. واستمراره في طرح الموقف، كان من الممكن أن يكلفه الرئاسة، لكن هذا لم يحصل. هو يفهم حدود فعالية استعمال القوة، وتعقيداتها ومسألة العلاقات الأميركية الإيرانية. لكنه مستعد لاتخاذ مواقف مختلفة عن معظم الناس.

ماذا عن تحريك الملف السوري لفصل سوريا عن إيران؟
- هذا مرتبط بمسائل أكبر من سوريا ولبنان وفلسطين، منها كيف ستتعامل أميركا مع القوى الكبرى في المنطقة (إيران، إسرائيل، تركيا)، لأنه للأسف لا دولة عربية تؤدي دوراً رئيسياً في المنطقة. موضوع سوريا يتعلق برؤية واسعة للأميركيين لجمع هذه الدول وترتيب جديد في المنطقة، لأن فصل سوريا عن إيران بهذه البساطة أمر صعب جداً إن لم يكن مستحيلاً، لكن إدخال إيران وسوريا وإسرائيل وتركيا في تركيبة جديدة أمر ليس سهلاً، ولكنه ليس مستحيلاً أيضاً.

هل من الممكن إعادة الهيبة لأميركا وإعطاء أمل لبقية الشعوب التي تأذت بالسياسية الأميركية في الوقت نفسه؟
- من حيث المبدأ من الممكن أن تستمر الهيمنة الأميركية، لكن ليس على طريقة جورج بوش. أعتقد أن بوش دفع بالهيمنة إلى حد من المستحيل معه أن تستمر. بمعنى أن ما قام به بوش صنف جديد؛ اجتياح، إقالة قادة ورؤساء وتدمير أنظمة ودولة في العراق. هذه الهيمنة لم نشهد مثيلاً لها منذ أوج الاستعمار الأوروبي. ومن المستحيل أن يدوم هذا النهج، والدليل على ذلك ما حدث في العراق. من الواضح أن أميركا لن تبقى هناك، فلا قواعد ولا سيطرة على أموال النفط، رغم أنها كانت الأهداف الأساسية للحرب.
ولم يقتنعوا بعد بأن الأمر ذاته سيكون في أفغانستان، سيتركون عاجلا أم آجلاً. من المستحيل تحقيق انتصار عسكري هناك. كما أن الأزمة الباكستانية ـــ الهندية لها دور كبير، وإذا لم تحل، فستنفجر في وجه الولايات المتحدة.


يحتل رشيد الخالدي كرسي إدوارد سعيد للدراسات العربية الحديثة في جامعة كولومبيا، ويشغل منصب مدير معهد الشرق الأوسط في المعهد الدولي والشؤون العامة في كولومبيا أيضاً. حصل على شهادته الجامعية الأولى من جامعة ييل الأميركية عام 1970 وحاز شهادة الدكتوراه من جامعة أُكسفورد عام 1974