بول الأشقرشكّل طلب أميركا اللاتينية إلى الولايات المتحدة رفع الحصار عن كوبا، في البيان الصادر، أول من أمس، عن «قمة أميركا اللاتينية والكاريبي»، المعطوف على ولادة منظمة إقليمية جديدة مفتوحة لكل دول القارة الأميركية (باستثناء الولايات المتحدة وكندا)، حدثاً تاريخياً من الطراز الأول، أكان لجهة القمة نفسها أم لجهة ما تعيشه من حالة انتقالية وأزمة اقتصادية فريدة، بانتظار تسلّم باراك أوباما الذي عقدت عليه آمالاً كبيرة للتغيير. وستشكل مسألة الحصار على كوبا دليلاً حسّياً على حسن ظنّ هذه الآمال.
في الولايات المتحدة، الطريق سالكة، وخصوصاً بعد فوز أوباما في فلوريدا، التي كانت مركز اللوبي الكوبي المعادي لكاسترو وللتطبيع. وقد أشارت آخر استطلاعات للرأي إلى أن غالبية الأميركيين موافقون على رفع الحصار. إلا أن التغيير في هذا المجال هو قطيعة ليس فقط مع جورج بوش الابن، بل مع سياسة اعتمدها 11 رئيس جمهورية على التوالي منذ بداية الستينيات.
وفي قاعة القمة، وبعدما قال راوول كاسترو «إذا أراد أوباما التفاوض، فأهلاً بالتفاوض»، كل الدول الحاضرة بدأت حديثها بالترحيب بكوبا. واقترح الرئيس البوليفي، إيفو موراليس، إعطاء مهلة زمنية لأوباما لرفع الحصار، وإذا لم يحصل يبدأ من بعدها سحب السفراء من الولايات المتحدة. وفي كلمة الختام، طالب الرئيس البرازيلي، لويس إيغناسيو لولا دا سيلفا، بـ«طيّ هذه الصفحة البالية»، مضيفاً بأن «التغيير مع أوباما سيقاس على قدرته على صياغة علاقة جديدة مع أميركا اللاتينية، ومن ضمنها رفع الحصار عن كوبا، وإنجاز السلام في الشرق الأوسط».
ويشكل الاجتماع الأميركي الجنوبي تعديلاً لعقيدة مونرو التي أطلقها وزير خارجية أميركا، جون كوينسي آدامس عام 1823، والملخّصة بعبارة «أميركا للأميركيين» وكانت رسالة موجّهة إلى إسبانيا وإنكلترا وغيرهما من القوى العظمى الأوروبية بعدم التدخل بشؤؤن القارة. وحتى اجتماع باهيا قبل أيام، لم يسبق لأميركا اللاتينية أن اجتمعت مرة واحدة من دون وصاية الولايات المتحدة، كما لم يكن لها إطار تجتمع فيه لمناقشة قضاياها، ولذلك تم تأسيس الهيئة الاستشارية التي تحمل اسم «مجموعة ريو» التي انضمت إليها كوبا رسمياً هذا الأسبوع.
وهكذا فإن تأسيس منظمة إقليمية أميركية لاتينية، وُصفت بـ«قمة الاستقلال الثاني» وبـ«عقيدة مونرو أميركية لاتينية»، يحمل رمزية خاصة تشير إلى أن عودة كوبا وولادة أميركا اللاتينية هما وجهان لعملة واحدة. وهذا الحدث سيكون له ترجمة سريعة مبرمجة، إذ أصبح من الصعب تصوّر «قمة الأميركيات» في نيسان العام المقبل من دون كوبا .... وهذه المرة بوجود الولايات المتحدة.