ترشيح باراك أوباما، ثم انتخابه أول رئيس أميركي أسود طرح هواجس عديدة بشأن اغتيال محتمل، عززها الكشف عن مخططات لتصفيته، وأعاد الذاكرة إلى تاريخ أميركي حافل بالنزاعات الأهلية والأفكار العنصرية والاضطهاد ضدّ الأفارقة الأميركيين، كما أثار قلقاً من احتمال أن يشبه مصير أوباما أولئك الذين ناضلوا من أجل المساواة في الحقوق ضدّ العنصرية والتمييز
شهيرة سلّوم
التاريخ الأميركي حافل باغتيال شخصيات حملت لواء المساواة والحقوق المدنية، ولا سيما خلال حقبة الستينيات، حين نشطت الحركات المدنية من أجل المطالبة بإعطاء حقوق المواطنة للسود والمرأة. اغتيالات طواها التاريخ من دون أن يكشف هوية المجرم الحقيقي، الأبرز بينها كان للرئيس الأسبق جون كينيدي في 22 تشرين الثاني 1963 في دالاس ـــ تكساس. الدلائل أشارت إلى أن المنفّذ هو لي هارفي أوزوالد، لكن مالك ملهى ليلي في تكساس، يدعى جاك روبي، قتله قبل المحاكمة. بقيت القضية غامضة، لم يُعرف القاتل أو المحرّض.
ودارت شبهات حول دور لكوبا في الاغتيال، ردّاً على محاولة تسميم زعيمها فيديل كاسترو، وحول تورط الاستخبارات الأميركية والسوفياتية والمافيا الإيطالية. كما صدرت تقارير تنتقد تحقيقات مكتب التحقيقات الاتحادي «أف بي آي» «كأسوأ تحقيق على الإطلاق»، وشبهات أخرى حول إخفاء المعلومات.
طريقة اغتيال كينيدي تسلّط الضوء على دوره في ترسيخ الحقوق المدنية للسود، فقد حاول إنهاء إدارة الفصل العنصري، وأصدرت المحكمة الدستورية خلال حكمه أحكاماً عديدة تقرّ بأن قوانين الفصل العنصري التي تطبقها بعض الولايات داخل الحافلات العمومية والمقاهي والمدارس والأماكن العامة غير دستورية. كذلك فإنه لجأ خلال حملته الانتخابية عام 1960 إلى زوجة المناضل مارتن لوثر كينغ، كوريتا سكوت، من أجل استقطاب الناخبين السود. وقدّم عام 1963 خطابه الشهير حول الحقوق المدنية، واقترح ما أصبح يعرف بقانون الحقوق المدنية 1964.
اغتيال ثانٍ ذهب ضحيته مالكولم إكس في شباط 1965، المعروف بالحاج مالك شهباز، الأفريقي الأميركي المسلم الذي ناضل من أجل نيل السود حقوق المواطنة. اغتاله ثلاثة أفارقة أميركيين حين كان يُلقي كلمة في قاعة «أودوبون بول روم» في نيويورك. وكشفت التحقيقات عن أن القتلة ينتمون إلى منظمة «أمة الإسلام»، التي كان ينتمي إليها إكس، بتحريض من رئيسها أليجاه محمد.
ورغم محاكمة مغتاليه واعترافهم، فإن الادّعاءات حول المسؤول الحقيقي لم تهدأ. فهناك من اتهم تجار المخدرات، ومن اتهم شرطة نيويورك والـ«أف بي آي» والـ«سي أي أيه» بتدبير الاغتيال من خلال عدم تأمين الحماية اللازمة وتسهيل دخول القتلة إلى القاعة.
وفي عام 1970، كُشف عن برنامج «كونتيلبرو» الخاص بمكتب التحقيقات الاتحادي الموجه ضدّ المنظمات الحقوقية في الخمسينيات والستينيات. وفُضح من خلاله أمر جون علي، عضو في جماعة «أمة الإسلام»، كعميل «أف بي آي» متخفٍّ. وكان إكس قد ذكر في أحد تقاريره أن علي يعمل على توتير العلاقة بينه وبين محمد، ووصفه بـ«عدوه اللدود». وليلة الاغتيال التقى علي مع أحد منفذي الاغتيال.
اغتيال ثالث هزّ التاريخ الأميركي، وقع في نيسان 1968 وذهب ضحيته القس مارتن لوثر كينغ في ممفيس ـــ تينيسي. وناضل كينغ، الذي لم يكن يتجاوز 39 عاماً لدى اغتياله، من أجل الحقوق المدنية للسود ورفع شعار «لديّ حلم» بأن يصبح كل الأميركيين السود والبيض متساوين. قاد حركة مقاطعة حافلات النقل العامة التي تعتمد الفصل العنصري، والتي استمرت لأكثر من عام (من 1 كانون الأول 1955 حتى 20 كانون الأول عام 1956)، وانتهت باستصدار حكم من المحكمة العليا بأنّ قوانين الفصل العنصري في حافلات النقل العامة لألباما ومونتغومري غير دستورية. وأسس كينغ مؤتمر القيادة الجنوبية المسيحيّة عام 1957، وقاد تظاهرة في واشنطن عام 1963، قدم خلالها خطابه الشهير «لدي حلم». حصل بعد عام على جائزة نوبل للسلام، وكُرّس له يوم وطني في عام 1988.
وأيضاً كان اغتيال كينغ غامضاً. قُبيل اغتياله، قدم خطاباً في المقر العالمي للكنيسة المسيحية في ممفيس تحت عنوان «كنت على قمة الجبل»، بعدما تأخر عن اللقاء بسبب تهديدات بوجود قنبلة على متن طائرته. وقال: «البعض يتحدث عن التهديدات، وماذا يمكن أن يحدث لي من قبل بعض المرضاء من إخواننا البيض؟ لا أعلم ولا يهمني لأني كنت على قمة الجبل، ولست قلقاً. أريد فقط أن أنفذ مشيئة الله».
قتل كينغ برصاصة في عنقه أثناء وقوفه على شرفة غرفته رقم 306 في موتيل لورنس من قبل جيمس إيرل راي، الذي تراجع عن اعترافاته في ما بعد، قائلاً إنّه «تم استغفاله بمؤامرة مدبرة».
والغموض الذي أُحيط بعملية اغتيال كينغ يعزّز من فرضية المؤامرة التي أُحيطت الشكوك بحبكها حول مكتب التحقيقات الاتحادي؛ فالشرطة كانت تُحيط بالمكان وقت الاغتيال، كما أن مصدر الرصاصة بقي مجهولاً. فضلاً عن أن علاقة كينغ مع الـ«أف بي آي» كانت علاقة عداء متبادلة، ولا سيما مع رئيسها إدغار هوفير، الذي ادعى بأن كينغ كان على علاقة وثيقة بستانلي ليفسون، المتهم من قبل المكتب بالارتباط بالحزب الشيوعي الأميركي. وبعد خطابه الشهير «لدي حلم»، وصف الـ«اف بي اي» كينغ بأنه «الزعيم الزنجي الأخطر والأكثر تأثيراً في البلاد».
ولم تقتصر الاغتيالات على حقبة الستينيات، فقد ذهب ضحية أول اغتيال الرئيس الأسبق أبراهام لينكولن، الذي يرتبط اسمه بتحرير العبيد، في 14 نيسان 1865، على يد الممثل جون ويلكس الذي ظن أنه باغتياله الرئيس يمكن أن يثأر لخسارة الجنوب في الحرب الأهلية، وذلك بعد ثلاثة أيام على خطاب لينكولن الذي قرر فيه إعطاء السود حق التصويت.


رؤساء نجوا من الاغتيال

لم تكن محاولات اغتيال الرؤساء قليلة في التاريخ الأميركي، وغالبيتها نفّذها «مختلون». أول محاولة كانت عام 1835 ضدّ الرئيس أندرو جاكسون، من المهاجر الإنكليزي ريتشارد لورنس الذي ظن أنه يجب أن يرث العرش في بريطانيا، وجاكسون هو من يقف في طريقه.
ونجا فرانكلين روزفلت في شباط 1933 من محاولة اغتيال قام بها موظف خسر عمله إبان الأزمة الاقتصادية، وألقى باللائمة على روزفلت والرأسمالية. وكذلك هناك محاولة اغتيال هنري ترومان وزوجته عام 1950.
وكاد رونالد ريغان يذهب ضحية مختل حاول محاكاة فيلم «سائق التاكسي» لروبيرت دينيرو، والذي ظن فيه القاتل المتيّم بالبطلة جودي فوستر أنه بقتله الرئيس سيؤثر بمحبوبته. ونجا جيرالد فوستر من محاولتي اغتيال عام 1975.
وفي الماضي، البعيد نجا ثيودور روزفلت أيضاً من محاولة اغتيال عام 1912. كان روزفلت حينها يسعى إلى ولاية ثالثة وهو أمر غير مسبوق، فرأى المهاجر الألماني جون شرانك أن السبيل الوحيد لحسم المسألة هو بقتل الرئيس.



مارتن لوثر كينغ: اغتيل في 4 نيسان 1968 ولم يكن يتجاوز حينها 39 عاماً. صاحب الخطاب الشهير «لديّ حلم» من أجل حقوق متساوية للسود



أبراهام لينكولن: اغتيل في 14 نيسان 1865، على يد الممثل جون ويلكس. قُبيل اغتياله بثلاثة أيام، أعطى السود حق التصويت في الانتخابات



جون كينيدي: اغتيل في 22 تشرين الثاني 1963، وُجّهت أصابع الاتهام إلى لي هارفي أوزوالد الذي قُتل قبل المحاكمة، وبقيت القضية غامضة