باريس ــ بسّام الطيارة«الدفاتر القذرة»، هكذا تشير وسائل الإعلام إلى مفكرات رئيس الاستخبارات الفرنسية السابق، إيف برتران، التي تنشر تباعاً على صفحاتها. ورغم أنها صودرت في سياق ملف «أنغولا غيت» القضائي، إلا أن التسريبات كلها تصبّ في إطار استهداف الرئيس السابق جاك شيراك. وقد دفع هذا البعض إلى اعتبار الأمر مجرد «تصفية حسابات» بين عهد جديد والعهد الذي سبقه، أو انتقام الرئيس نيكولا ساركوزي من سلفه بعدما تخلّص من الوزن السياسي لرئيس وزرائه السابق دومينيك دو فيلبان وكبّل تحركاته بفضل ملف قضائي. ولكن مع مرور الوقت، ومعه تراكم التسريبات، بدأت صورة ملف قضائي جديد مواز لملف الرشى في «أنغولا غيت» تتوضح، ويحتل شيراك وسطها بشكل لا لبس فيه؛ فقبل يومين، قرر قاضي التحقيق «نسخ الـ٢٣ مفكرة على قرص مدمج» وتوزيعها على المحامين الستين الضالعين في الدفاع عن المتهمين في هذا الملف الذي يأخذ ملامح «فضيحة عهد».
توزيع «الدفاتر القذرة» يعني أن المس بالشخصيات السياسية والاقتصادية، التي ذكرها برتران، بات «مشاعاً». إذ إنها حين كانت «سراً قضائياً سرّبت إلى الإعلام»، فكيف الأمر بعدما باتت في متناول مكاتب المحامين.
إلا أن خطورة ما تتضمنه هذه الدفاتر تتجاوز «فضيحة التسريب» وتمس النظام الجمهوري ككل وتسلّط الضوء على ممارسات بوليسية في عهد شيراك هي أقرب إلى ممارسات «جمهوريات الموز». إذ يبدو من خلال قراءة «النوتات» التي كان يخطها برتران يومياً أنه قام بإنشاء «جهاز مواز داخل جهاز الاستخبارات» للتجسس على رجال السياسة المناوئين لشيراك، مثل وزير داخليته شارل باسكوا، وجان تيبيري الذي «أورثه» بلدية باريس بعد وصوله إلى سدة الرئاسة مروراً بساركوزي «وريثه في الإليزيه»، وبالطبع إضافة إلى خصومه مثل رئيس وزرائه ليونيل جوسبان في عهد «المساكنة السياسية» بين اليمين واليسار. ويبدو من قراءة أوّلية لهذه الدفاتر أنّ برتران لم يكتف بالتجسس على النشاط السياسي لهؤلاء، بل تجاوز حدود النطاق العام إلى حقل الخاص، وفي بعض الأحيان «الخاص جداً»، كحديثه عن «الذي يتعاطى الحشيش» أو ذاك الذي له «أهواء مثلية» أو الذي «يشتري بيجاما زهرية اللون»، وما شابه من «ملاحظات تبدو بريئة» ولكن يمكن استعمالها في «الابتزاز الأخلاقي».
ينفي برتران بالطبع أن تكون الملاحظات قد «شكلت أساس عمله» الاستخباري أو أن شيراك قد «أعطاه أمراً بالقيام بجمعها». ويبرر وجودها في «دفاتره الخاصة» بأنها وليدة «أفكار يسمعها»، وأنه يكتفي بتدوينها من دون أن يكون لها أي أهمية تذكر. ويعترف بأنه «لم يستعمل بتاتاً» هذه المعلومات، وأنه اكتفى بتدوينها. إلّا أنه لا أحد يستطيع تأكيد ما إذا كان قد جرى نقلها ولو بطريقة غير رسمية، «شفهياً مثلاً»، إلى شيراك ليستعملها كما يحلو له عندما يواجه هؤلاء الخصوم.