يمكن القول إنّ انطلاق حملة عسكرية تركيّة جديدة ضدّ حزب «العمال الكردستاني» في شمال العراق، بات مسألة أيّام أو أسابيع فقط. خلاصة يمكن قراءتها بعد رصد ردود الفعل التي تلت عمليّة المقاتلين الأكراد ضدّ الجيش التركي على الحدود العراقية التركية في مدينة سمدينلي في محافظة هكاري جنوب شرق تركيا ليل الجمعة الماضي، التي أودت بحياة 15 جندياً. وجاءت العملية قبل أيام من موعد حصول الحكومة التركية على تفويض البرلمان الذي يُسمح بموجبه للجيش بشنّ عمليات عسكرية واسعة النطاق داخل الأراضي العراقية في كردستان العراق لـ «مكافحة الإرهاب الكردي»، في جلسة متوقّعة في الأيام الثلاثة المقبلة، لتفادي انتهاء المهلة القانونية المعطاة للجيش في 17 من الشهر الجاري.
ردود فعل السياسيين الأتراك، لم تقلّ حدّة عن تهديد الجيش. ولوحظ وجود خطّين لمواقف الطرفين. ففيما لم توجّه الحكومة والرئاسة اتهامات واضحة لأكراد العراق، انبرت قيادة الجيش في توجيه سهامها إلى أكراد العراق، سياسيّين ومواطنين، بينما تركت للصحف المقربة منها (في مقدمتها «حرييت» و«راديكال» و«ملييت») مهمة التلميح إلى تقصير التعاون الاستخباري الأميركي في ردع المقاتلين الأكراد.
وإزاء الهجوم الأعنف الذي يحصل في العام الجاري، اضطرّ الرئيس عبد الله غول إلى إلغاء زيارته التي كانت مقررة إلى فرنسا، وإعلان رئيس حكومته رجب طيب أردوغان قطع زيارته إلى تركمانستان ومنغوليا ليعود فوراً إلى أنقرة ومتابعة «الردّ القاسي ضدّ الإرهاب الكردي».
وجدّد غول عزم بلاده على «القضاء على المتمردين مهما كان الثمن». وقال في بيان له «إننا نحقّق عن كثب في كيفية وقوع الهجوم الشائن الأخير ومن هم المتعاونون ومن الذي قدم تسهيلات لهذا الهجوم».
وانهالت بيانات التنديد والتضامن مع تركيا، من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وجامعة الدول العربية والعراق، الذي عبّرت حكومته عن «استنكارها وشجبها للعمل الإرهابي الذي استهدف فيه حزب العمال الكردستاني مناطق حدودية تركية»، داعية إلى ردّ تركي عقلاني لا يهدّد استقرار المنطقة.
كذلك، لم يتأخّر المسؤولون العراقيون الأكراد، في الإعراب عن تضامنهم مع تركيا، وهو ما أكّده الرئيس العراقي جلال الطالباني في مكالمة هاتفية مع نظيره غول، حتّى إن رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني أصدر بياناً استنكر فيه الاعتداء.
تضامن أكراد العراق مع تركيا، لم يكن كافياً بالنسبة إلى الجيش التركي، الذي حمّل هؤلاء، مسؤولية تسهيل حركة مقاتلي «الكردستاني». وقال نائب رئيس أركان الجيش الجنرال حسن اغسيز، في مؤتمر صحافي، أمس، «لا نحصل على أي دعم من إدارة شمال العراق (ضدّ المقاتلين) بل إنهم يزوّدونهم بالبنى التحتية مثل المستشفيات والطرق». وتابع «أعضاء الحزب يتمركزون في مواقع قريبة جداً من السكان المحليين في أجزاء كبيرة من شمال العراق ويستغلّون ذلك، ولا تبذل إدارة شمال العراق أي جهد لمنع حدوث ذلك».
والهجوم المذكور، يُعَدّ أوّل تحدٍّ كبير لقائد الجيش التركي المعيّن حديثاً الجنرال، إيلكر باسبوج، المعروف بتشدّده إزاء الأكراد، وهو الذي قاد جيشه في تشرين الأول الماضي، في حملة كانت الأوسع منذ عَقْدٍ داخل الأراضي العراقي ضدّ «العمال الكردستاني».
وتواجه القيادة السياسية التركية ضغوطاً حثيثة للحسم العسكري في شمال العراق، وهو ما يرى أردوغان وغول أنه لا يكفي لإنهاء القضية الكرديّة.
وفي هذا السياق، سبق أن أُعلنت خطط باستثمار ما يصل إلى 12 مليار دولار في جنوب شرق تركيا لتحسين الأوضاع المعيشية وتقليل المساندة لحزب «العمال الكردستاني».
(الأخبار، أ ب)