«أنغولا غيت»، فضيحة جرت أحداثها في تسعينات القرن الماضي، وكُشف النقاب عنها عام 2000 ويحاكم أبطالها هذه الأيام. إنها صفقات الأسلحة التي يورّدها أباطرة الغرب عبر النخب الحاكمة للدول الغنية إلى زعماء حرب في دولة فقيرة لإشعال حربها الأهلية.
شهيرة سلّوم
بدأت الاثنين الماضي محاكمات صفقة «أنغولا غيت»، التي تورّط فيها رجال أعمال وسياسيون فرنسيون، ويُتوقع أن تستمرّ خمسة أشهر. المحاكمات تُعيد تسليط الضوء على دور شركات الأسلحة في تمويل النزاعات الداخلية في الدول الفقيرة بتسهيل من رجال السياسة.
42 شخصية متورطة في القضية، بينهم ابن الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران، جان كريستوف، والوزير اليميني السابق شارل باسكوا ورجل الأعمال الإيطالي الأصل بيار فالكون ورجل الأعمال الإسرائيلي الروسي أركادي غايداماك، والمستشار السابق لميتران، جاك أتالي، والروائي بول لوب شولتزر.
«النفط مقابل السلاح» هو المبدأ الذي قامت عليه الصفقة التي أبرمها الرئيس الأنغولي خوسيه إدواردو دوس سانتوس وزعيم الحركة الشعبية لتحرير أنغولا ما بين عامي 1993 و 1998، أي في وقت كانت فيه الحكومة الفرنسية تحظر بيع الأسلحة إلى أنغولا بسبب الحرب الأهلية.
الحكاية بدأت مع تجدّد الحرب في البلد الأفريقي الفقير الغني بموارده عام 1993 بين الحركة الشعبية لتحرير أنغولا الحاكمة بزعامة سانتوس والفصيل المتمرّد «أونيتا» بزعامة جوناس سافيمبي. وكانت الحرب الأولى بين الطرفين قد اندلعت عام 1978 إبّان الحرب الباردة، فأخذ السوفيات وكوبا جانب حركة سانتوس الماركسية، فيما صفّت الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا إلى جانب «أونيتا».
لكن مع انهيار الاتحاد السوفياتي، كان لا بدّ للنزاع أن يُصاغ في صورة أخرى تتلاءم والمتغيرات الدولية، فدخل سانتوس في أيار 1991 في اتفاق سلام مع سافيمبي برعاية البرتغال. جرت انتخابات رئاسية عام 1992، فاز سانتوس في الجولة الأولى منها فرفضها سافيمبي، ما أدى إلى تجدّد القتال. واستطاعت «أونيتا» أن تسيطر على معظم أراضي البلاد. لكن سافيمي قُتل في شباط 2002 وأُعلن وقف إطلاق النار بعدما أسقطت الحرب أكثر من 500 ألف قتيل خلال 27 عاماً.
في خضم المأساة الأنغولية، كان لا بدّ لشركات الأسلحة من أن تعمل بتسهيل من رجال السياسة. وبحسب التحقيقات الفرنسية، فإن ميتران الابن، الذي كان مستشاراً لوالده للشؤون الأفريقية، قد تسلم من تاجر الأسلحة فالكوني عمولات بلغت قيمتها 1.8 مليون دولار، في مقابل خدماته كوسيط بين دوس سانتوس، وبين غايداماك وفالكون اللذين حصلا على مبلغ 791 مليون دولار في مقابل نقل الأسحة إلى أنغولا.
كان فالكون في ذلك الوقت مستشاراً نافذاً لدى «سوفريني»، الوكالة الفرنسية لتصدير الأسلحة التي تُديرها وزارة الخارجية، كما كان مدير شركة خاصة تدعى «برينكو». ويقول الاتهام إنّه في عام 1993، عندما بدأت «أونيتا» تربح حربها على الأرض، باعت «برينكو» أسلحة بقيمة 47 مليون دولار إلى سانتوس في صفقة تورّط فيها أيضاً غايداماك، وفي السنة التالية قام فالكون وغايدماك بإرسال «دبابات روسية الصنع وصواريخ ومروحيات عسكرية» بقيمة 463 مليون دولار إلى أنغولا، التي موّلتها نقداً ونفطاً. وبما أنّ الحظر الفرنسي كان قائماً حينها، كان على المسؤولين أن يبرموا صفقتهم على أنّها معدّات للشرطة والقوى الأمنية.
أنغولا بطبيعة الحال ليست راضية عن المحاكمة الجارية، لكونها ستضطرها إلى الكشف عن وثائق حساسة تمس بسيادتها. أما محامي الدفاع، فتساءل عما إذا كان يحق لباريس أن تجري المحاكمة لكون الأسلحة لم تمرّ بالأراضي الفرنسية، فالأسلحة عبرت من روسيا، لكن الاتهام استند إلى تورط شركات فرنسية ليبرّر المحاكمة.