لعلّها صدفة التوقيت الزمني الذي يفصل بين التصريحات الحاقدة ليورغ هايدر تجاه المهاجرين، وبين حادثة مقتله بعد أيام على عودته إلى المسرح السياسي
برلين ــ غسان أبو حمد
استناداً إلى التقرير الرسمي للشرطة النمساوية، فإن زعيم حزب «التحالف من أجل مستقبل النمسا»، رئيس المجلس البلدي لمقاطعة «كارينثيا» يورغ هايدر، توفّي في المستشفى بعد إصابته بجروح خطيرة في رأسه وصدره في حادث سيارة كان يقودها، فجر أول من أمس، بالقرب من مسقط رأسه في مدينة كلاغينفورت. وهايدر معروف بممارسته للرياضة ومغرم بقيادة السيارات السريعة.
وقال المتحدث باسم هايدر، ستيفان بيتزنر، إنه كان يقود السيارة باتجاه منزله الريفي للقاء عائلته احتفالاً بعيد الميلاد التسعين لوالدته. وقالت الشرطة إنه فقد السيطرة على السيارة بعدما تجاوز سيارة أخرى على الطريق واصطدم بحاجز مروري من الاسمنت.
ويأتي مقتل هايدر بعد نحو أسبوعين من الانتخابات التشريعية في 28 أيلول الماضي، وحصوله شخصياً على حوالى 11 في المئة من الأصوات، مضاعفاً بذلك النتيجة التي سبق أن حصل عليها، في انتخابات عام 2006.
وفاة في حادث غامض، استبقها هايدر بسلسلة من التصريحات المعادية للأجانب، تعبّر عن نهجه اليميني المتطرف الذي ترك انعكاسات سلبية على الواقع السياسي النمساوي تحديداً، والأوروبي عموماً. انعكاسات تجلّت في إقدام بعض السياسيين، في اليوم التالي لوقوع الحادثة، على رثاء هايدر واعتباره «نموذجاً» في العمل السياسي وأنه «أثّر في الحياة العامة.. بشكل لم يفعله أي شخص على مدى العشرين سنة الماضية».
كذلك وصف بعض السياسيين نهج الراحل بأنه «الأمثل والأفضل» لأوروبا، ما يشير إلى إمكان تنامي هذا النهج «اليميني المتطرف» الخطير في هذه الظروف. نهج يستند إلى قواعد العداء للأجانب والمسلمين وحصرهم بمنتجعات ومصحّات (التعبير الحديث لكلمة «غيتو») تقام على أعلى القمم الأوروبية، حسبما اقترح هايدر نفسه الأسبوع الماضي. وتعود شعبية هايدر ونجاحه في تفعيل الحركة اليمينية الصغيرة في النمسا، إلى اعتماده سياسة إعلامية مختلفة ونهجاً في تصاريحه يعتمد على تشويه الخصوم السياسيين وتأجيج المشاعر المناهضة للهجرة وانتقاد «أسلمة» المجتمع النمساوي. وكانت له تصريحات ومواقف أشاد فيها بنظام آدولف هتلر في ألمانيا النازية (1933ــ 1945). كذلك وصف معسكرات الاعتقال النازية في مناقشة برلمانية بأنها «معسكرات تأديبية». ولعل إشادة هايدر المولود في عام 1950 في باد غويسن (وسط النمسا العليا) بالنازية، تنبع من كونه ابن الاسكافي، الذي كان عضواً في قوات العاصفة ذات القمصان البنية المؤيدة لهتلر، والمعلّمة التي عملت قياديّة في حركة الشباب الهتلري.
ربما كانت إحدى خطواته النادرة تجاه العرب، حين اجتمع بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين في عام 2002 في أصعب الظروف السياسية. يومها برّر ذلك بأنه «مسألة إنسانية» خالصة. كذلك التقى الزعيم الليبي معمر القذافي، وكان يفاخر بأنه صديق ابنه سيف الإسلام القذافي.
وأصبح هايدر ناشطاً سياسياً منذ سنوات شبابه في النمسا، الدولة الغنية الواقعة في منطقة جبال الألب، في عام 1977، من خلال حزب «الحرية» اليميني، التشكيلة الصغيرة التي أسسها نازيون قدامى.
وانتخب عام 1989 حاكماً لكارينثيا. إلا أنه تخلّى عن منصبه عام 1991 بسبب إشادته بسياسة التشغيل في حكومة الرايخ الثالث في ظل ألمانيا النازية. ولم تمنعه تصريحاته المثيرة للجدل من أن يعاد انتخابه حاكماً لكارينثيا عام 1999، المنصب الذي تولّاه مجدداً في آذار 2004.
وأثار هايدر في عام 1999 صدمة عندما فاز بنسبة 26.9 في المئة من الأصوات في الانتخابات التشريعية، لينضمّ حزب الحرية الذي يتزعمه إلى الحكومة مع حزب الشعب بقيادة المستشار المحافظ فولفغانغ شوسل، مسبّباً عقوبات دبلوماسية فرضها الاتحاد الأوروبي على بلاده لأشهر. وانهار هذا الائتلاف، ما أدى إلى إجراء انتخابات مبكرة في عام 2002 مني فيها حزب «الحرية» بخسارة فادحة.
وبعد صراع عنيف داخل حزب «الحرية»، انشقّ هايدر عنه وشكل «التحالف من أجل مستقبل النمسا» في عام 2005. وأصبح حزبه الجديد شريكاً صغيراً في الحكومة الائتلافية، بينما انتقل حزب «الحرية» إلى صفوف المعارضة بزعامة هاينز كريستيان ستراشي.
واجتاز حزبه الجديد بصعوبة نسبة الـ 4 في المئة المطلوبة لدخول البرلمان في انتخابات عام 2006.
ويربط بعض المراقبين حادثة مقتل هايدر بالعديد من المشاريع والبرامج الانتخابية التي تقدّم بها حزبه في شهر أيلول الماضي، وأيضاً بتصريحاته المعادية للأجانب والإسلام.
ببساطة، يمكن القول إن هايدر قتله غيظه... من الأجانب.