فضيحة فرنسية بأيدٍ أميركيّة، بطلها رئيس صندوق النقد الدولي دومينك شتراوس كان، بسبب إقامته علاقة غرامية، أضعفت الرؤيا الاقتصادية الفرنسية لمصلحة الليبرالية الأميركية
باريس ــ بسّام الطيارة
واشنطن ــ محمد سعيد
منذ وصول الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، إلى الإليزيه، وحظّه يتلاعب معه صعوداً وهبوطاً. فمعظم طروحاته في الشأن الاقتصادي والسياسي تحت عنوان «القطيعة»، عاكستها ظروف خارجة عن إرادته جعلته عاجزاً عن تطبيق وعوده الانتخابية. وعلى العكس، فإن القطيعة في مضمار الدبلوماسية تجاوز نجاحها تقديرات أكثر المعلّقين تفاؤلاً. فكانت شعبية الرئيس تراوح بين العلوّ والانحدار.
جاءت الأزمة المالية الدولية في ظل ضعف الإدارة الأميركية لتعطي ساركوزي «فرصة العمر»، كونه رئيساً دورياً للاتحاد الأوروربي، ليقف ويقود قافلة وصفات أوروبية لمعالجة النظام المالي العالمي، ويقدمها على أنها «قطيعة مع بريتون وودز». ثلاث قمم عقدها ساركوزي خلال الأسبوعين الماضيين بالتوازي مع رحلة سريعة إلى أميركا الشمالية دفعته إلى واجهة العالم، ما أكسبه في آخر استطلاع للرأي ستّ نقاط في ميزان شعبيتة (٤٣ في المئة).
ساء حظ ساركوزي بسبب حدثين. جاء الأول من صندوق التوفير الشعبي الذي أعلن أنه خسر ٦٢٠ مليون يورو (نحو مليار دولار) في «مضاربات الأسبوع الماضي». أما الثاني، فجاء على شكل فضيحة أعلنتها صحيفة «وول ستريت جورنال»، وبطلها حليفه الاشتراكي دومينك شتراوس كان، رئيس صندوق النقد الدولي، وزير المال الفرنسي السابق الذي خسر سباق الترشّح باسم الحزب الاشتراكي قبل أن «يتصيّده» ساركوزي باسم القطيعة ويحارب من أجل تنصيبه رئيساً لهذه المؤسسة الدولية.
الفضيحة التي تتحدث عنها الصحف ليست من النوع المالي، وقد حدثت في مطلع العام الحالي، حين اعترف شتراوس كان، المتزوج بالإعلامية الشهيرة سان كلير، بعلاقة غرامية مع إحدى موظفات صندوق النقد الدولي، واصفاً الأمر بأنه «حادث في حياتي الخاصة». إلا أنه نفى الاتهامات التي على أساسها كلفت شركة المحاماة «مورغان لويس أند بوكيوس» التحقيق بها بناءً على طلب عضو مجلس إدارة الصندوق عبد الشكور شعلان (80 عاماً)، الذي يمثل مصر في الصندوق منذ عام 1992، بعد تلقيه مشورة مندوبي الولايات المتحدة لوند ساغر، وروسيا ألكسي موزهين، في شهر آب الماضي.
السبب أن العشيقة المفترضة، بيروسكا ناغي، استفادت من حظوة تفضيلية عند نهاية مهمتها بشكل تعويض يتجاوز السلّم المعتمد في هذه الحالات.
أسئلة كثيرة بدأت تُطرح خلال عطلة نهاية الأسبوع في القارة الأوروبية، وخصوصاً في فرنسا، عن «التوقيت الأميركي» لهذه الفضيحة التي تصيب «الرأس الفرنسي» لمؤسسة دولية يرشحها الأوروبيون لتولي الرقابة على المصارف العالمية، وهو ما يثير عاصفة رفض في بلاد العم سام الليبرالية، وخصوصاً أن شترواس كان «اشتراكي الرأسمالية» كما يصفه أكثر من معلق.
يرى عدد من المراقبين أن طرح الملف في هذا الظرف عبر تسريب مدروس لإحدى أشهر الصحف المالية لا يمكن أن يكون «بريئاً»، بل يدلّ على أن التجاذب بين الطروحات الأوروبية التي تحضّر لنظام عالمي جديد مبني على رقابة صارمة إن لم يكن من الحكومات الوطنية بسبب معارضة إيديولوجية ليبرالية فلتكن من مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي، وبين التوجّه الأميركي الذي يدعو إلى عدم المس بـ«الرأسمالية الديموقراطية» وترك الرقابة لـ«لمسؤولية الفرد».
ويعدّ اللجوء إلى مؤسسة خاصة للتحقيق في قضية تتناول مؤسسة دولية تابعة للأمم المتحدة بحد ذاته «تسجيل نقطة» لمصلحة التوجه الليبرالي الأميركيّ. حظ ساركوزي هذه المرة مزدوج، فهو خسر على الصعيد الدولي شعبيته، لكنه ربح على الصعيد الوطني نقطة مهمة قد يتقاسمها مع المرشحة سيغولين رويال، بعدما ذهبت حظوظ شترواس كان بالترشّح للرئاسة في عام ٢٠١٢.