ربى أبو عموباتت معظم المشاكل التي تواجهها أوكرانيا معلّبة، تُخرجها الظروف الدولية من ثلاجة خطط إداراتها بحسب الحاجة. اليوم، تشبه الأزمة السياسية في كييف، المتّجهة نحو انتخابات برلمانية مبكرة للمرة الثالثة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، قصة ألف ليلة وليلة. فلا تختلف رئيسة الوزراء، يوليا تيموتشينكو، عن تلك المرأة التي استطاعت إنقاذ نفسها من عادة القتل التي كان ينتهجها الملك مع نسائه، من خلال حَبْك القصص. وها هي الأميرة البرتقالية تختبئ خلف تسريحتها وثوبها التقليدي، وتنسج الحكايات. إلّا أنها ليست وحدها هذه المرة، فالملك وخصمها التقليدي الرئيس فيكتور يوتشينكو، قد تعلّم الدرس وها هو يعدّ لها بالمثل.
الأسبوع الماضي، أعلنت تيموتشينكو استعدادها للموافقة على أي شروط يضعها الرئيس وفريقه لإنقاذ الائتلاف الحاكم، وتفادي انتخابات برلمانية مبكرة، كاشفة عن أن صندوق النقد الدولي على استعدادٍ لمنح أوكرانيا قرضاً بقيمة 3 إلى 14 مليار دولار لمساعدة البلاد على تخطّي الأزمة المالية، شرط تأجيل الانتخابات المبكرة.
إلّا أن مجلس الأمن القومي الذي يرأسه يوتشينكو حسم الأمر بقراره تخصيص 85 مليون دولار لتمويل الانتخابات من صندوق احتياطي، رغم رفض الأميرة البرتقالية إعطاء الموافقة الحكومية اللازمة لإنفاق الأموال.
تلك المشادّة السياسية بين الرئيس ورئيسة وزرائه باتت محشوّة الآن بفبركات يعدّها كل طرف للنيل من الآخر، من دون أن يكونا بعيدين عن اللاعبين الحقيقيين في هذه الأزمة، روسيا والولايات المتحدة. ولا بد من القول إن اللقاء بين تيموتشينكو ورئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين في موسكو الشهر الماضي كرّس هذا الاتجاه.
يفترض أحد التحليلات أن تتقمّص موسكو دور واشنطن خلال إعدادها للثورة البرتقالية قبيل عام 2004 داخل كواليس البيت الأبيض، حين أطاحت الرئيس الأوكراني السابق الموالي لروسيا، ليونيد كوشما، بحجة إرساله أسلحة إلى العراق في عهد صدام حسين.
ففي عام 2002، أثار شريط أصدره الحارس الأمني في مكتب الرئيس الأوكراني السابق، نيكولاي ميلنيشينكو، العالم، إذ سجّل صوت كوشما وهو يناقش إمكان إرسال «رادارات» إلى العراق. ومع مرور الوقت، بدأ كوشما يتحدث جهرة عن نظيره العراقي، الأمر الذي أعطى دليلاً مادياً للوكالة الوطنية الأمنية الأميركية للتأكد من صحة الشريط. وكانت فرصة الولايات المتحدة للانقضاض على كوشما وتشويه سمعته، وهي التي كانت تتهم العراق بامتلاك أسلحة دمار شامل، وتعدّ العدة ضده.
القضاء على كوشما كان حتمياً في سجل الإدارة الأميركية، رغم أنه لم يُعثر على أسلحة أوكرانية في العراق، لتقوم الثورة البرتقالية التي أنجبت حلفاء الغرب، يوتشينكو وتيموتشينكو.
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو عن مدى احتمال لجوء روسيا إلى السلاح الأميركي نفسه، مجنّدة تيموتشينكو للقضاء على الرئيس الحليف للغرب، فتستعيد بذلك جمهوريتها السابقة.
وكان معهد أبحاث ستوكهولم للسلام الدولي قد أفاد بأن «أوكرانيا تحتل المرتبة الأولى في العالم في بيع الأسلحة الخفيفة إلى مناطق النزاع في العالم، مثل جورجيا وكينيا وتشاد وليبيا وغيرها».
وفي 2 أيلول الماضي، عقدت لجنة التحقيقات في الرادا (البرلمان الأوكراني) اجتماعاً لبحث مسألة بيع كييف الأسلحة إلى تبيليسي، فتوصّلت إلى أن أوكرانيا تبيع السلاح إلى جورجيا بأسعار زهيدة جداً. وشهد العام الماضي بيع كييف 74 دبابة إلى تبيليسي بقيمة 250 ألف دولار، بينما يقدر سعرها بمليون دولار.
الشركة التي تبيع الأسلحة إلى الدول يملكها يوتشينكو. لذا، قد تلجأ تيموتشينكو إلى إثارة هذا الملف ضد الرئيس في الرادا، وخصوصاً أن الأسلحة تذهب إلى جورجيا، بينما يحتاج الجيش الأوكراني إلى التطوير.
في المقابل، يسعى الرئيس الأوكراني إلى إطاحة المرأة الحديدية مدعوماً من الغرب، مستغلاً قلقها من نتيجة الانتخابات البرلمانية المبكرة. ويشير بعض المحللين إلى أن يوتشينكو يعدّ خطة متكاملة لزعزعة استقرار منطقة القرم، من خلال القيام بعملية عسكرية ضد «الفنارات» التي يقطنها أسطول البحر الأسود الروسي بصورة غير شرعية. سيناريو مشابه للهجوم الجورجي على أوسيتيا الجنوبية وتصوير الأمر من الوجهة الغربية على أنه اعتداء روسي، ليضمن بذلك تصويت الشعب له.
تعمد تيموتشينكو اليوم إلى خيار المماطلة، وهو الأمر الذي تمكّنت من تحقيقه أول من أمس، حين أعلن يوتشينكو تأجيل الانتخابات البرلمانية إلى 14 كانون الأول بدلاً من السابع منه، لمواجهة الأزمة المالية.
أزمة قد تكون حلّت في وقتها. فبينما يطير الرئيس إلى الغرب، ترتدي تيموتشينكو حلّة الوسطية بين الغرب وروسيا، وخصوصاً أنها لا تمانع في بقاء الائتلاف الأوكراني الحالي إذا تحققت مطالبها (عدم انضمام أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي).