برلين ــ غسان أبو حمدتناست الأحزاب الألمانية خلافاتها الداخلية في هذه الظروف المالية الصعبة، وراحت تتابع بقلق كبير زيارة المستشارة أنجيلا ميركل إلى الصين، ومعها نتائج القمة الأوروبية ـــــ الآسيوية التي تجمع قادة أربعين دولة بالزعامة الصينية.
وضاعت وسائل الإعلام في تقديرها لما يمكن أن تؤدي إليه هذه القمة من نتائج وحلول تُنقذ العالم من حالة الغوص في وحول أكبر أزمة مالية يتخبّط فيها العالم. وكالة الأنباء الألمانية خرجت بعنوان «نحيا معاً أو نغرق معاً»، فأدرك الجميع، بما في ذلك المواطن العادي البعيد عن هموم البورصة، أن «الاقتصاد» هو لولب الحركة، وأنّ معالجة الأزمة المالية تتصدّر النقاش في القمة «الأوروبية ـــــ الآسيوية» وتتقدّم على سواها من العناوين الهامة الأخرى التي تتصدّر تقليدياً المحادثات مع القيادة الصينية، والمتمحورة حول «حقوق الإنسان وحماية البيئة وحماية مصادر الطاقة».
وكان رئيس اللجنة الأوروبية، خوسيه مانويل باروزو، الأكثر تعبيراً وشمولاً عند ترتيبه لأهمية المواضيع على جدول أعمال القمة. فقال «نحن حالياً في مواجهة تحديات كبيرة وخطيرة لا حدود لها، وليس بالإمكان تقدير ذيولها. إنها شاملة وتطال الوجود، إنها الأزمة المالية التي تواجه العالم بأسره». وأوضح «لا يمكن لأي دولة، أوروبية أو آسيوية، التصرّف كما لو كانت محمية من وصول الخطر إليها. الحل الأساسي لهذه المعضلة المالية العالمية هو التعاون والتنسيق الدولي»، مضيفاً «باختصار: النجاة معاً أو الغرق معاً».
والحديث عن ذيول الأزمة المالية وانعكاساتها تخطّى واقع الصراع العقائدي بين العالم الرأسمالي الصناعي والاشتراكي الصيني، فأعلنت القيادة الصينية أولى بوادر هذه الانعكاسات السلبية التي تجلّت بتراجع حركة تصدير الإنتاج الصيني إلى الخارج، وبطء حركة النمو الاقتصادي وإغلاق عدد من المعامل، إلى جانب تنامي البطالة.
وصدر عن القيادة الصينية بيان تُعلن فيه استعدادها الكامل للتعاون والتنسيق مع «الجميع»، وتُضيف أنّ هدف الصين هو المحافظة على استقرار الأوضاع. وتأكيداً للتعاون والتنسيق الأممي، أعربت الحكومة الصينية عن استعدادها للمشاركة في القمة التي ستنعقد منتصف شهر تشرين الثاني المقبل في واشنطن لمعالجة «الأزمة المالية العالمية».
وفي المجمل، يمكن وصف القمة الأوروبية ـــــ الآسيوية المنعقدة في الصين بأنّها لن تقدّم الحلول لأيّ من الأزمات العالمية المعقّدة، سواء حماية مصادر الطاقة أو حقوق الإنسان أو البيئة والمناخ، بل هي قمة «التشاور الصريح بين الدول المشاركةفي شأن الأخطار الدولية». ويرى مسؤول ألماني أن بعض الدول الأوروبية تحاول إقناع الصين بفتح سوقها التجاري أمام الإنتاج الأوروبي.
والرحلة إلى بكين التي بدأتها المستشارة أنجيلا ميركيل، أول من أمس، أيقظت داخلها تاريخاً طويلاً من التربية الاشتراكية في «النظام الألماني الاشتراكي الديموقراطي» في ألمانيا الشرقية، ولاحقاً مسؤوليتها في ألمانيا الاتحادية (ألمانيا الغربية). هناك تذوّقت نكهة الاشتراكية الممزوجة بالرأسمالية في ظل طلقات المدفع التسع عشرة، وباقات الزهور الحمراء التي زيّنت جناحها الرقم 1718 في فندق «حياة الكبير» في بكين، الفندق «الغربي الرأسمالي» الوحيد في العاصمة الاشتراكية. وهذه التعابير (الغربي والشرقي) ليست غريبة عن صبا «الرفيقة أنجيلا ميركل» في الحزب المسيحي الديموقراطي، عندما كانت تقود سيارتها «فارتبورغ» (فخر الصناعة الاشتراكية الألمانية الديموقراطية) في شارع «كارل ماركس» العريض وسط برلين، والتي كانت تتصدر حملات الانفتاح على الغرب. اليوم هي في الصين.