يبدأ الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، اليوم زيارة تاريخية لدمشق، تحمل في طياتها انفتاحاً فرنسيّاً على سوريا، إضافة إلى العديد من الملفات الإقليمية، في مقدمتها إيران
باريس ــ بسّام الطيارة
أكدت مصادر فرنسية موثوقة مقربة من الإليزيه أمس، أن القمة الرباعية المنتظر عقدها غداً في القصر الجمهوري السوري بين الرئيس السوري بشار الأسد ونظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، ستتطرق لمجموعة مسائل إقليمية تتعلق بمجمل ملفات المنطقة من الملف اللبناني إلى الملف الإيراني، مروراً بمسلك المفاوضات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب، نهاية بالملف القوقازي وعودة الحرب الباردة إلى الواجهة.
وتؤكد المصادر أهمية الملف اللبناني في الزيارة وربطه بـ«التطور السريع» في العلاقات بين باريس ودمشق. إلا أن دبلوماسياً عربياً مقيماً في باريس يرى أن «الملف اللبناني بات وراء الحدث» رغم التشديد الفرنسي عليه لتبرير «التسرع في الانفتاح على دمشق».
وذكرت المصادر المقربة من الإليزيه أن الملف اللبناني، على أهميته، لا يؤدي «الدور المحرك» في هذه الزيارة، ولكن هذا لا يمنع أن التقدم في الملفات اللبنانية سوف «يظل تحت الرقابة». وذكرت على سبيل المثال أن باريس تنتظر تبادل سفراء وفتح سفارات خلال شهرين أو ثلاثة، وهي سوف تنظر بتأنٍّ للتقدم في ملف المفقودين لدى الطرفين حيث «يوجد آلاف من اللبنانيين ونحو مئة سوري». كذلك فإن متابعة عمل لجنة العمل على ترسيم الحدود ستكون من الأمور التي يجب متابعتها، حسب قول المصادر نفسها، التي اعترفت بأن «حديث سوريا عن لبنانية مزارع شبعا» هو تطور بحد ذاته يساعد الأمم المتحدة التي تعمل على ترسيم هذه الحدود. ومن دون أن تنفي «وجود قتال بين السلفيين والعلويين في الشمال» اللبناني، أكدت أن «وقف الاغتيالات وعودة الحوار وزوال التوتر»، هي من العناصر التي تدعم مبادرة ساركوزي الانفتاحية على سوريا، مشددة على أن «الذي لا يجرب لا يمكنه أن يحصل على شيء».
مع ذلك فإن مصادر أخرى أكدت لـ«الأخبار» أن «الملف الإيراني سيكون على رأس قائمة المشاورات» بين الزعيمين. وكشف المصدر أن الرئيس الأسد «الذي كان قد حمل رسالة من ساركوزي إلى إيران، قد جاء بجواب مثبط للعزائم». وأضافت أن إيران لا تزال «تناور في أجوبتها».
ورداً على أسئلة التعجب من أن يحمّل ساركوزي سوريا رسائل لإيران في حين أن «مبعوث أوروبا خافيير سولانا يقوم بتواصل مباشر مع طهران»، رد مصدر مقرب جداً من الإليزيه بأن «سوريا، التي خبرت الأمر، يمكنها أن تنقل خبرتها إلى إيران». ويرى مراقبون في هذا إشارة إلى «قصف إسرائيل ما زعمت أنه بناء لمفاعل نووي في شمال سوريا». ورغم عدم تأكيد المصدر إذا كان المكان المقصود منشأة نووية، إلا أنه أكد أن لفرنسا أقماراً اصطناعية يمكنها أن «ترى ما كان يوجد قبل القصف وبعده»، طالباً انتظار نتائج التحقيقات التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وأكد المصدر أن رسالة جديدة يمكن أن ترسل إلى طهران عبر دمشق، مذكراً بحديث ساركوزي أمام السفراء قبل أسبوع حين قال «إن حصول إيران على القنبلة النووية أمر مرفوض». ويجمع المراقبون على أن «انفتاح ساركوزي على سوريا» يمكنه أن «يسهل ابتعاد سوريا عن إيران»، إذ يشدد المصدر نفسه على أنه «لا يجب ترك دمشق أمام اختيارين لا ثالث لهما: إما العزلة الدولية أو الحلف مع إيران»، منتقداً سياسة جاك شيراك التي سعت إلى عزل سوريا، ورافضاً التعليق عما إذا كان هذا التقارب «يضايق المملكة العربية السعودية».
ويتوقع بعض المراقبين ألا يأخذ الملف الفلسطيني حيزاً كبيراً من الزيارة «إلا في ما يتعلق بملف الجندي جلعاد شاليط» حامل الجنسية الفرنسية أيضاً، الذي يؤكد أكثر من مصدر أن «الرئيس بشار وعد بفعل شيء ما».
إلا أن فلسطين لا بد أن تدخل من زاوية المفاوضات السورية ـــــ الإسرائيلية، التي تشدد كل الأوساط الفرنسية على أن ساركوزي «يعوِّل عليها كثيراً لإعطاء دور لأوروبا في الشرق الأوسط». وقد ذكرت مصادر في الإليزيه أن الأسد «كان قد طلب من فرنسا أن ترعى وتضمن» الاتفاقات عندما تصبح المفاوضات مباشرة. وذكر مصدر مقرب من هذا الملف أن «إسرائيل وواشنطن قبلتا وجود فرنسا راعياً لهذا السلام المفترض الوصول إليه».
أما الملف العراقي و«ملف القوقاز بعد زيارة الأسد إلى موسكو»، فسيكونان من ضمن الملفات التي سيتناولها الرئيسان في القمة الرباعية، إذ يؤكد المصدر أنه في ما يتعلق بعلاقة دمشق مع موسكو «يوجد بعض علامات الاستفهام».


الأسد لا يستبعد ضربة لسوريا أو لبنان أو إيرانوأشار الأسد إلى أن إدارة الرئيس جورج بوش بعد أكثر من سبع سنوات من وجودها «بدأت تتذكّر أن هناك شيئاً يدعى السلام»، وتوقع أن تعمد الإدارة الجديدة إلى تسهيل العملية السلمية. وقال «بالطبع نحن بانتظار الإدارة الجديدة لنعرف ما هي توجهاتها، بعدها نستطيع الحديث عن المفاوضات المباشرة».
وأكد الرئيس السوري أن دمشق وباريس تعيشان «عصراً جديداً يستند الى السياسة الجديدة لفرنسا، سياسة واقعية، براغماتية تهدف الى تحقيق السلام وتدعو الى الحوار والاستقرار»، مشيراً إلى أن السياسة الفرنسية في عهد جاك شيراك «لم تكن تساعد على إرساء علاقات طبيعية بين فرنسا وسوريا».
(ا ف ب، أ ب)