تواجه أوكرانيا اليوم «انهياراً سياسياً» بعد انفراط عقد الائتلاف «البرتقالي» الحاكم، الموالي للغرب. انهيارٌ دعمته روسيا لإعادة تأطير خريطة نفوذها في مواجهة أميركا
ربى أبو عمّو
علمٌ برتقاليّ يلفّ نعشاً خشبياً ذا رأسين. الحشد من المعزّين ليس غفيراً هذه المرّة، عكس بداية ولادة الثورة. فهذا الواجب بات يثقل كاهل الناس، بعدما أصابتهم كثرة المد والجزر السياسيين بالدوار. مشهدٌ خياليّ، يمثّل بداية نعي الثورة البرتقالية في أوكرانيا، التي شهدها عام 2004 بقيادة الولايات المتحدة التي جنّدت الرئيس الأوكراني الحالي فيكتور يوتشينكو ورئيسة وزرائه يوليا تيموشينكو لإطلاقها.
طلاق سياسيّ ليس في الغالب إلّا امتداداً للحرب الجورجية ــــ الأوسيتية. أزمة خلّفت اختلافاً جوهرياً في مواقف الرئيس ورئيسة وزرائه، والتي تحدّد بوصلة البلاد، رغم أن البعض يعزو هذه المهاترات السياسية الداخلية إلى حلقات الاستعداد للانتخابات الرئاسية في عام 2010.
انفصام تعود بدايته إلى سنوات، إلا أن الحلقة الأخيرة تشكلت ليل الثامن من آب الماضي، حين برهن الرئيس الأوكراني عن مدى قربه من نظيره الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي، ما عارضته تيموشينكو الملقّبة بـ«الأميرة البرتقالية». تقرّبٌ تبلوَر في منح أوكرانيا جورجيا أسلحة ثقيلة بقيمة أكثر من 130 مليون دولار أميركي. وتشير مصادر روسيّة إلى أن «هذا القرار لم يعرض على مجلسي الوزراء والنواب للموافقة عليه».
ناحية أخرى أكثر حميمية في العلاقة بين الرجلين تمثّلت في إرسال الرئيس الجورجي أولاده إلى المقرّ الصيفي ليوتشينكو على البحر الأسود، فرعاهم طيلة فترة الحرب. هذه الصلة العائلية كانت قد تأسست على مبادرة شبه أخوية بين الرئيسين، إذ «عمّد كل منهما ابن الآخر».
أراد يوتشينكو من الائتلاف الذي يؤلّفه مع تيموشينكو دعم الموقف الجورجي، إلا أن الأخيرة رفضت. فما كان من الرئيس إلا أن اتهم رئيسة وزرائه بـ«خيانة أوكرانيا»، ما أدى إلى استدعائها للمثول أمام مكتب المدعي العام في 11 أيلول الماضي.
أمر آخر أشعل الأزمة، تمثّل في عدم تصديق تيموشينكو مطالبةَ الرئيس برحيل أسطول البحر الأسود الروسي عن شبه جزيرة القرم، تمهيداً لدخول أوكرانيا إلى حلف شمالي الأطلسي. إذ تتناقض عضوية الحلف مع بقاء الأسطول الروسي ضمن المعاهدة الصالحة لعام 2017.
مشادّة سياسية تبعها تصويت رئيسة الوزراء، خلال اجتماع للبرلمان، على مشاريع قوانين سهّلت عملية حجب الثقة عن الرئيس، وأدخلت تعديلات على القانون الخاص بمجلس الوزراء، بهدف تقييد صلاحيات الرئيس، فردّ بالانسحاب من الائتلاف.
مسألة ثالثة كان قد أشعلها الرئيس الأوكراني، تجلّت في عمله على تقسيم الكنيسة الأرثوذكسية، العقيدة الذي يرتكز عليها العرق السلافي، بهدف الانفصال التام عن روسيا.
هذه الاختلافات تعود بدايتها إلى عام 2005، حين استمرت تيموشينكو في منصب رئاسة الوزراء مدة 7 أشهر، قبل أن يقيلها الرئيس نتيجة خلافات. لكنها استعادت نفوذها السياسي بعدما حلّ الرئيس الأوكراني البرلمان في الثاني من نيسان من العام الماضي.
إعلان نهاية الائتلاف يطرح سيناريوين. الأول يحتّم على تيموشينكو أن تقدّم استقالتها كرئيسة للوزراء، على أن تمارس مهماتها النيابية لحين تأليف حكومة جديدة، ضمن مهلة 30 يوماً لإعادة التحالف أو تأليف تحالف جديد قادر على تحقيق الغالبية في البرلمان. أما الفشل في ذلك فسيدفع الرئيس إلى الدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة، وهي الثالثة خلال الأعوام الثلاثة التي تلت الثورة البرتقالية.
وبحسب استطلاعات الرأي، تتمتع تيموشينكو حالياً بما لا يقل عن نسبة 25 في المئة من التأييد الشعبي، فيما زعيم حزب المناطق المعارض الموالي لروسيا، فيكتور يانوكوفيتش، يحظى بنسبة تأييد بلغت 20 في المئة، فيما تراجعت شعبية يوتشينكو إلى نسبة أقل من 5 في المئة.
ويقرّ مصدر مطّلع على ما يجري في روسيا أن «موسكو أقدمت على دعم تيموشينكو بهدف قلب النظام في أوكرانيا لمصلحتها ضدّ الغرب، وهو الأمر الذي رأت فيه رئيسة الوزراء مصلحتها أيضاً، فذكاؤها فاق بداهة الرئيس، وأدركت أن انهيارات الولايات المتحدة الحالية لن تجلب لها إلا انهياراً مماثلاً». بمعنى آخر، فإن رئيسة الوزراء الموالية للغرب اكتشفت أن «الأمر الواقع يحتّم عليها التقرّب من روسيا، مع اعتمادها ربما على تأجيل قناعاتها السياسية. فانضمام بلادها إلى الأطلسي، والذي ترغب فيه، قابل للإرجاء ارتكازاً على الاستفتاء الشعبي الذي رفض العضوية بنسبة 70 في المئة».
تراهن تيموشينكو الآن على التحالف مع يانوكوفيتش، في ظل انعدام حظوظ الرئيس. وحتماً، «ستسهم تسريحة شعرها الأوكرانية التقليدية، في حشد النساء والرجال معاً في صفّها».